الأولَ يُؤَوَّل لأجل الثاني، وهذا ليس بظاهر، لأنَّا إنما نحتاج إلى ذلك لكونِ الموضع يطلبُه فعلاً كقوله:{إِنَّ المصدقين} لأنَّ الموصول يَطْلُبُ جملةً فعلية فاحتْجنا أَنْ نتأوَّل اسمَ الفاعل بفعلٍ، وعَطَفْنا عليه «وأقرضوا» ، وإما «بعد إيمانهم» وقوله «للبس عباءة» فليس مكانُ الاسمِ محتاجاً إلى فعل، فالذي ينبغي: أن نتأول الثاني باسمٍ ليصِحَّ عطفُه على الاسم الصريح قبله، وتأويلُه بأن نأتي معه ب «أن» المصدرية مقدرةً، وتقديرُه: بعد إيمانهم وأَنْ شَهِدوا، أي: وشهادتهم، ولهذا تأوَّل النحويون قولَها:«لَلُبْسُ عباءةٍ وتقرَّ» : وأَنْ تقرَّ، إذ التقدير: وقرةُ عيني، وإلى هذا الذي ذكرته ذهب أبو البقاء فقال «التقدير: بعد أَنْ آمنوا وأن شهدوا، فيكونُ في موضعِ جَرٍّ» .
انتهى، يعني أنه على تأويلِ مصدرٍ معطوفٍ على المصدرِ الصريح المجرور بالظرف، وكلام الجرجاني فيه ما يَشْهد لهذا ويَشْهَدُ لتقدير الزمخشري فإنه قال: قوله «وشَهِدوا» منسوقٌ على ما يُمكنُ في التقدير، وذلك أنَّ قولَه «بعد إيمانهم» يمكن أن يكونَ بعد «أن آمنوا» وأَنْ الخفيفة مع الفعلِ بمنزلةِ المصدرِ كقولهِ: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ}[البقرة: ١٨٤] أي: والصوم، ومثلُه مِمَّا حُمِل فيه على المعنى قولُه تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ}[الشورى: ٥١] فهو عطفٌ على قوله: {إِلاَّ وَحْياً} ، ويمكن فيه: إلا أن يُوحى إليه، فلما كان قوله {إِلاَّ وَحْياً} بمعنى: إلا أنْ يُوحَى إليه حَمَله على ذلك، ومثله من الشعر قوله:
١٣٥٥ - فَظَلَّ طُهاةٌ اللحم من بين مُنْضِجٍ ... صَفيفَ شِواءٍ أو قديرٍ مُعَجَّلٍ