وأوردَ منه قولَه عليه الصلاة والسلام:«حُبِّبَ إليَّ من دُنْياكم ثلاثٌ: الطِّيب والنساء، وقُرَّةُ عيني في الصلاة» ذَكَر اثنين وهما الطِّيب والنساءُ، وطَوَى ذِكْرَ الثالثة، لا يقال: إن الثالثة قوله: «وقُرَّةُ عيني في الصلاة» لأنها ليست من دُنْياهم، إنما هي من الأمورِ الأُخْروية، وفائدةُ الطيّ عندهم تكثير ذلك الشيء، كأنه تعالى لَمَّا ذكر جملة الآيات هاتين الآيتين قال: وكثيرٌ سواهما. وقال ابن عطية:«والأرجح عندي أن المَقام وأمنَ الداخلِ جُعلا مثالاً مِمَّا في حَرَم الله تعالى من الآيات، وخُصَّا بالذكر لعِظَمِهما وأنهما تقومُ بهما الحجةُ على الكفار، إذ هم مُدْرِكون لهاتين الآيتين بحواسِّهم» .
الوجه الثاني: أن يكونَ «مقامُ إبراهيم» عطفَ بيان، قاله الزمخشري وردَّ عليه الشيخ هذا مِنْ جهةِ تَخَالُفِهما تَعْريفاً وتنكيراً فقال:«قوله مخالف لإِجماع البصريين والكوفيين فلا يُلتفت إليه، وحكمُ عطفِ البيان عند الكوفيين حكمُ النعتِ فَيُتْبِعون النكرةَ النكرةَ والمعرفةَ المعرفةَ، وتبعهم في ذلك أبو علي الفارسي، وأمّا البصريون فلا يجوز عندهم إلا أن يكونا معرفتين، ولا يجوزُ أن يكونا نكرتين، وكلُّ شيء أورده الكوفيون مِمَّا يُوهم جوازَ كونِه عطفاً جعلَه البصريونَ بدلاً، ولم يَقُمْ دليلٌ للكوفيين» . قلت: وهذه المسألةُ ستأتي إنْ شاءَ