اللهُ محررةً عند قوله تعالى:{مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ}[إبراهيم: ١٦] وعند قوله تعالى: {مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ}[النور: ٣٥] .
ولَمّا أعرب الزمخشري مقامَ إبراهيم وأَمْنَ داخِله بالتأويل المذكور اعتَرَضَ على نفسِه بما ذكرْتُه مِنْ إبدال غيرِ الجمع من الجمعِ، وأجاب بما تقدَّم، واعترض أيضاً على نفسه، بأنه كيف تكون الجملةُ عطفَ بيان للأسماء المفردة؟ فقال:«فإنْ قلت: كيف أَجَزْتَ أن يكونَ مقامُ إبراهيم والأمنُ عطفَ بيان، وقولُه {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} جملةٌ مستأنفةٌ: إمَّا ابتدائيةٌ وإمَّا شرطيةٌ.
قلت: أَجَزْتُ ذلك من حيث المعنى، لأن قوله {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} دلَّ على أَمْنِ مَنْ دخله، فكأنه قيل: «فيه آياتٌ بينات: مقامُ إبراهيم وأَمْنُ مَنْ دخله» ألا ترى أنك لو قلت: «فيه آيةٌ بَيِّنَةٌ: مَنْ دَخَله كان آمناً» صَحَّ، لأن المعنى: فيه آيةٌ بينةٌ أَمْنُ مَنْ دَخَلَه «. قال الشيخ:» وليس بواضحٍ لأنَّ تقديرَه وأَمْنُ الداخل هو مرفوعٌ عطفاً على/ «مقام إبراهيم» وفَسَّر بهما الآياتِ، والجملةُ من قوله:{وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} لا موضعَ لها من الإِعراب فَتدافَعا، إلاَّ إن اعتقد أن ذلك معطوفٌ محذوفٌ يَدُلُّ عليه ما بعده، فيمكن التوجيهُ، فلا يُجْعَلُ قولُه {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} في معنى «وأَمْنُ داخِلِه» إلا من حيثُ تفسيرُ المعنى لا تفسيرُ الإِعراب «وهي مُشاحَّةٌ لا طائلَ تحتها، ولا تدافُعَ فيما ذَكَر، لأنَّ الجملة متى كانَتْ في تأويلِ المفردِ صَحَّ عطفُها عليه، ثم المختارُ أن يكونَ قولُه» مقام إبراهيم «خبرَ مبتدأ مضمرٍ، لا كما قَدَّروه حتى يلزمَ الإِشكالُ المتقدم، بل تقدِّرُه: أحدها مقام إبراهيم، وهذا هو الوجه