وقد رَدَّ عليه الشيخ المعنى الأولَ بالمعنى الثاني الذي ذكره هو، ولا بد من إيراده ليتبيَّنَ لك. قال بعد ما حكى عنه ما نقلْتُه في المعنى الأول:«وهذا كلام مثبج لا تحقيقَ [فيه] لأَنَّ جَعْلَ الحسرة لا يكون سبباً للنهي كما قلنا. إنما يكونُ سبباً لحصولِ امتثالِ النهي، وهو انتفاء المماثلةِ، فحصولُ ذلك الانتفاء والمخالفةِ فيما يقولون ويعتقدون يَحْصُل عنه ما يَغيظهم ويَغُمُّهُمْ إذ لم يُوافِقُوهم فيما قالوه واعتَقَدُوه فلا تَضْرِبوا ولا تَغْزوا، فالتبس على الزمخشري استدعاءُ انتقاءِ المماثلةِ بحصولِ الانتفاء، وفَهْمُ هذا فيه خَفاءٌ ودِقَّةٌ» انتهى.
ولا أدري ما وجهُ تثبيجِ كلام أبي القاسم، وكيفَ ردَّ عليه على زعمه بكلامه؟
وقال الشيخ أيضاً:«وقال ابنُ عيسى يعني الرماني وغيرُه اللامُ متعلقةٌ بالكون، أي لا تكونوا كهؤلاءِ ليجعلَ اللهُ ذلك حسرة في قلوبهم دونَكم، ومنه أخَذَ الزمخشري في قولِه، لكنَّ ابن عيسى نَصَّ على ما تتعلق به اللام، وذاك لم ينص، وقد بَيَّنَّا فسادَ هذا القول» . انتهى. وقوله:«وذلك لم ينصَّ» بل قد نَصَّ، وقال:«فإنْ قلت ما متعلَّقُ ليجعلَ؟ قلت:» قالوا «إلى آخره، أو بقوله:» لا تكونوا «، وأيُّ نصٍ أظهرُ من هذا؟ ولا يجوزُ تَعَلُّق هذه اللامِ ومعناها التعليل ب» قالوا «لفساد المعنى، لأنهم لم يقولوه لذلك بل لتثبيطِ المؤمنينِ عن الجهاد.
وعلى القولِ الثاني أعني كونَها للعاقبةِ تتعلَّقُ ب» قالوا «والمعنى: أنَّهم قالوا ذلك لغرضٍ من أغراضِهم، فكانَ عاقبةُ قولِهم ومصيرُه إلى الحسرةِ والنَّدامَةِ كقولِه:{فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً}[القصص: ٨] ، لم يلتِقطوه