قولُه «فاستشهِدوا» و «فاجْلدوا» دالاً على ذلك الحكم المحذوفِ لأنه بيانٌ له.
والقول الثاني: أنَّ محلَّه نصبٌ، وفيه وجهان، أحدُهما: أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدرٍ لدلالةِ السياقِ عليه لا على جهةِ الاشتغالِ لِما سنذكره، والتقدير: اقصِدوا اللاتي يأتين، أو تعمَّدوا. ولا يجوز أن ينتصَبَ بفعلٍ مضمرٍ يفسِّره قولُه «فاستشهدوا» فتكونُ المسألة من باب الاشتغال، لأنَّ هذا الموصولَ أشبهَ اسمَ الشرطِ كما تقدَّم تقريره، واسمُ الشرطِ لا يجوزُ أَنْ ينتصِبَ على الاشتغالِ لأنه لا يعمل فيه ما قبله، فلو نصبناه بفعلٍ مقدرٍ لزم أن يعملَ فيه ما قبلَه. هذا ما قاله بعضهم، ويَقْرُبُ منه ما قاله أبو البقاء فإنه قال:«وإذا كان كذلك أي كونَه في حكم الشرط لم يَحْسُنِ النصبُ؛ لأنَّ تقديرَ الفعل قبل أداةِ الشرط لا يجوز، وتقديرُه بعد الصلةِ يحتاج إلى إضمارِ فعلٍ غيرِ قوله» فاستشهدوا «لأنَّ» استشهدوا «لا يَصِحُّ أن يعمل النصب في» اللاتي «وفي عبارِته مناقشةٌ يطول بذكرها الكتاب.
والثاني: أنه منصوبٌ على الاشتغال/، ومَنْعُهم ذلك بأنه يلزُم أَنْ يعملَ فيه ما قَبلَه جوابُه أنَّا نقدِّرُ الفعلَ بعده لا قبله، وهذا خلافٌ مشهورٌ في أسماءِ الشرط والاستفهام: هل يَجْري فيها الاشتغال أم لا؟ فمنعَه قومٌ لِما تقدَّم، وأجازه آخرون مقدِّرين الفعل بعد الشرطِ والاستفهام، وكونُه منصوباً على الاشتغال هو ظاهر كلام مكي فإنه ذكر ذلك في قوله: {واللذان يَأْتِيَانِهَا