وجاء هنا:{عَن مَّوَاضِعِهِ} ، وفي المائدة:{مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ}[الآية: ٤١] قال الزمخشري: «أمَّا» عن مواضِعه «فَعَلى ما فَسَّرناه من إزالته عن مواضِعه التي أَوْجَبَتْ حكمةُ اللهِ وَضْعَه فيها بما اقتضَتْ شهواتُهم من إبدالِ غيره مكانَه، وأما {مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} فالمعنى أنه كانت له مواضع هو قَمِنٌ بأن يكونَ فيها، فحين حَرَّفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقارِّه، والمعنيان متقاربان» . قال الشيخ:«وقد يقال إنهما سِيَّان، لكنه حُذِف هنا وفي أول المائدة {مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ}[الآية: ٤١] ؛ لأنَّ قولَه» عَنْ مَّواضِعِه «يدلُّ على استقرارِ مواضعَ له، وحُذِف في ثاني المائدة» عن مواضِعِه «لأنَّ التحريفَ من بعد مواضعه يدل على أنه تحريفٌ عن مواضعِه، فالأصلُ: يُحَرِّفون الكلمَ من بعد مواضعِه عنها، فَحَذَف هنا البعدية وهناك» عنها «توسُّعاً في العبارةِ، وكانت البداءةُ هنا بقوله» عن مواضعِه «لأنه أخصرُ، وفي تنصيصٌ باللفظِ على» عن «وعلى المواضعِ وإشارةٌ إلى البعدِيَّة» .
وقال أيضاً:«والظاهرُ أنهم حيث وُصِفوا بشدةِ التمرُّدِ والطغيانِ وإظهارِ العداوةِ واشتراءِ الضلالةِ ونَقْضِ الميثاق جاء {يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ} كأنهم حَرَّفوها من أولِ وهلةٍ قبل استقرارها في مواضعها وبادَرُوا إلى ذلك، ولذلك جاء أَوَّلُ المائدة كهذهِ الآيةِ حيث وصفهم بنقضِ الميثاق وقسوةِ القلوب، وحيث وُصِفوا باللين وترديدِ الحكم إلى الرسول جاء {مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} كأنهم لم يبادِروا إلى التحريفِ، بل عرض لهم بعد استقرارِ الكلمِ في مواضعِها فهما سياقان مختلفان» .