وقوله:{مِّنَ الجوارح} في محلِّ نصبٍ على الحال / وفي صاحبها وجهان، أحدُهما: أنه الموصول وهو «ما» والثاني: أنه الهاء العائدةٌ على الموصول، وهو في المعنى كالأول. والجوارح: جمع «جارحة» ، والهاءُ للمبالغة سُمِّيَتْ بذلك لأنها تَجْرَحُ الصيدَ غالباً أو لأنها تَكْسَبُ، والجَرْحُ: الكَسْبُ ومنه: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار}[الأنعام: ٦٠] . والجارحَةُ: صفةٌ جارية مجرى الأسماء لأنها لم يذكر موصوفها غالباً. وقرأ عبد الله بن عباس وابن الحنفية:«عُلِّمتم» مبنياً للمفعول، وتخريجها أن يكون ثَمَّ مضافٌ محذوف أي: وما عَلَّمكم الله من أمر الجوارح.
«مكلِّبين» حالٌ من فاعل «عَلَّمتم» ، ومعنى «مكلِّبين» مؤدبين ومُضْرِين ومُعَوِّدين قال الشيخ «وفائدةٌ هذه الحالِ - وإنْ كانت مؤكدةً لقولِه:» عَلَّمتم «فكان يَسْتغنى عنها - أن يكون المعلمُ ماهراً بالتعليم حاذقاً فيه موصوفاً به» انتهى، وفي جَعْلِه هذه الحالِ مؤكدةً نظرٌ، بل هي مؤسسةٌ.
واشتُقَّت هذه الحالُ من لفظ «الكَلْب» هذا الحيوانِ المعروفِ وإن كانت الجوارحُ يندرج فيها غيرُه حتى سباعُ الطيور تغليباً له، لأنَّ الصيدَ أكثرُ ما يكون به عند العرب. أو اشتقت من «الكَلَب» وهو الضراوة، يقال: هو كَلِبٌ بكذا أي: حريص، وبه كَلَبٌ أي: حرص، وكأنه أيضاً مشتق من الكَلْبِ هذا الحيوانِ لحرصه، أو اشتقت الكَلْب، والكَلْبُ يُطْلق على السَّبُع أيضاً، ومنه الحديثُ:«اللهم سَلِّط عليه كَلْباً من كلابك» فأَكَله الأسد. قال الشيخ: وهذا الاشتقاقٌ لا يَصحُّ لأنَّ كونَ الأسدِ كلباً هو وصف فيه، والتكليبُ من