مصدرية بتأويلٍ متكلف أي: أَوْجَبْتُ إليهم الأمر بالإِيمان، وهنا قالوا «آمنَّا» ولم يُذْكر المُؤْمَنْ به، وهناك {آمَنَّا بالله}[آل عمران: ٥٢] فذكره، والفرق أنَّ هناك تقدَّم ذِكْرُ الله تعالى فقط فأُعيدَ المؤمَنْ به فقيل:«بالله» وهنا ذُكِر شيئان قبل ذلك وهما: {أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي} فلم يُذْكَر ليشمل المذكورين، وفيه نظرٌ. وهنا «بأنَّنا» وهناك «بأنَّا» بالحذف، وقد تقدَّم غيرَ مرة أنَّ هذا هو الأصل، وإنما جِيء هنا بالأصل لأنَّ المُؤْمَنَ به متعدِّدٌ فناسَبَه التأكيد.
قوله:{هَلْ يَسْتَطِيعُ} قرأ الجمهورُ «يَسْتَطيع» بياء الغيبة «ربك» مرفوعاً بالفاعلية، والكسائي:«تَسْتَطيع» بتاء الخطاب لعيسى، و «ربَّك» بالنصب على التعظيم، وقاعدتُه أنه يُدْغِم لام «هل» في أحرف منها هذا المكان، وبقراءة الكسائي قرأت عائشة، وكانت تقول:«الحواريُّونَ أعرفُ بالله من أن يقولوا: هل يستطيع ربك» كأنها - رضي الله عنها - نَزَّهَتْهم عن هذه المقالةِ الشنيعة أَنْ تُنْسَبَ إليهم، وبها قرأ معاذ أيضاً وعلي وابن عباس وسعيد بن جبير في آخرين، وحينئذ فقد اختلفوا في هذه القراءة: هل تحتاجُ إلى حَذْفِ مضاف أم لا؟ فجمهورالمُعْربين / يقدِّرون: هل تستطيعُ سؤالَ ربك، وقال الفارسي:«وقد يمكن أَنْ يُسْتغنى عن تقدير» سؤالَ «على أن يكون المعنى: هل تستطيع أن يُنَزَّل ربُّك بدعائك، فيُرَدُّ المعنى - ولا بد - إلى مقدَّر يدل عليه ما ذُكِر من اللفظ» قال الشيخ: «وما قاله غيرُ ظاهرٍ لأنَّ فعلَه تعالى وإنْ كان مسبباً عن الدعاءِ فهو غيرُ مقدورٍ لعيسى» واختار أبو عبيد هذه القراءةَ قال: «لأنَّ القراءةَ الأخرى تُشْبه أن يكونَ الحواريُّون شاكِّين، وهذه لا تُوهِمُ ذلك» . قلت: وهذا بناء من الناسِ على أنهم كانوا مؤمنين، وهذا هو الحقُّ.