وقيل: بينهما فرق، قال الكسائي: العرب تقول «كذَّبْتُ الرجلَ» بالتشديد، إذا نَسَبْتَ الكذبَ إليه، و «أَكْذَبْتُه» إذا نسبْتَ الكذبَ إلى ما جاء به دون أن تنسبه إليه، ويقولون أيضاً: أَكْذَبْتُ الرجل إذا وجدْتُه كاذباً كأَحْمَدْتُه إذا وجدته محموداً، فمعنى «لا يُكْذِبونك» مخفَّفاً: لا يَنْسِبون الكذبَ إليك ولا يجدونك كاذباً، وهو واضحٌ.
وأمَّا التشديدُ فيكونُ خبراً محضاً عن عدم تكذيبهم إياه. فإن قيل: هذا مُحالٌ؛ لأنَّ بعضهم قد وُجِد منه تكذيبٌ ضرورةً. فالجاب أن هذا وإن كان منسوباً إلى جمعيهم، أعني عدمَ التكذيب فهو إنما يراد به بعضُهم مجازاً كقوله:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ}[الشعراء: ١٠٥]{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ}[الشعراء: ١٦] وإن كان فيهم مَنْ لم يُكَذِّبْه فهو عامٌّ يُرادُ به الخاص. والثاني: أنه نفى التكذيب لانتقاء ما يترتَّب عليه من المَضَارِّ، فكأنه قيل: فإنهم لا يُكَذِّبونك تكذيباً يُبالى به ويَضُرَّك لأنك لست بكاذب، فتكذيبُهم كلا تكذيب، فهو مِنْ نفي السبب لانتفاءِ مُسَبِّبه. وقال الزمخشري:«والمعنى أنَّ تَكْذيبَك أمرٌ راجع إلى الله لأنك رسولُه المصدَّق، فهم لا يكذِّبونك في الحقيقة، إنما يكذبون الله بجحود آياته فانْتَهِ عن حزنك كقول السيدِ لغلامه: - وقد أهانه بعض الناس - لن يُهِينُوك وإنما أهانوني، وعلى هذه الطريقة:{إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله}[الفتح: ١٠] .
قوله:{بِآيَاتِ الله} يجوز في هذا الجارِّ وجهان، أحدهما: أنه متعلِّقٌ ب» يَجْحَدون «، وهو الظاهرُ الذي لاينبغي أن يُعْدَلَ عنه وجَوَّز أبو البقاء أن