الثاني: أن «بين» اسمٌ غير ظرف، وإنما معناها الوصل أي: لقد تَقَطَّع وصلكم. ثم للناس بعد ذلك عبارتان تؤذن بأن «بين» مصدر بان يبين بَيْناً بمعنى بَعُد، فيكون من الأضداد أي إنه مشترك اشتراكاً لفظياً يُستعمل للوصل والفراق كالجَوْن للأسود والأبيض، ويُعْزى هذا لأبي عمرو وابن جني والمهدوي والزهراوي، وقال أبو عبيد: / «وكان أبو عمرو يقول: معنى تقطَّع بينكم: تقطَّع وصلكم، فصارت هنا اسماً من غير أن يكون معها» ما «. وقال الزجاج:» والرفع أجود، ومعناه: لقد تقطَّع وَصْلُكم «، فقد أطلقوا هؤلاء أنَّ» بَيْن «بمعنى الوصل، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
إلا أنَّ ابن عطية طعن فيه وزعم أنه لم يُسْمع من العرب» البين «بمعنى الوصل، وإنما انتزع ذلك من هذه الآية، أو أنه أُريد بالبَيْن الافتراقُ، وذلك مجازٌ عن الأمر البعيد، والمعنى: لقد تقطَّعت المسافة بينكم لطولها فعبَّر عن ذلك بالبين. قلت: فظاهر كلام ابن عطية يؤذن بأنه فَهِمَ أنها بمعنى الوصل حقيقةً، ثم رَدَّه بكونِه لم يُسْمع من العرب، وهذا منه غير مُرْضٍ، لأنَّ أبا عمروٍ وأبا عبيد وابن جني والزهراوي والمهدوي والزجاج أئمة يُقبل قولُهم. وقوله:» وإنما انتُزِع من هذه الآية «ممنوعٌ بل ذلك مفهوم من لغة العرب، ولو لم يكن ممَّن نقلها إلا أبو عمرو لكفى به، وعبارته تؤذن بأنه مجاز، ووجه