وذهب قوم إلى أنَّ المستثنى منه زمان، ثم اختلف القائلون بذلك، فمنهم من قال: ذلك الزمانُ هو مدةُ إقامتهم في البَرْزَخ أي: القبور. وقيل: هو المدة التي بين حشرِهم إلى دخولهم النار، وهذا قولُ الطبري قال:«وساغ ذلك من حيث العبارةُ بقوله» النار مَثْواكم «لا يَخُصُّ بها مستقبلَ الزمان دون غيره» . وقال الزجاج:«هو مجموع الزمانين أي: مدةَ إقامتهم في القبور ومدة حشرهم إلى دخولهم النار» . وقال الزمخشري:«إلا ما شاء الله أي: يُخَلَّدون في عذاب النار الأبد كله إلا ما شاء الله إلا الأوقات التي يُنقلون فيها من عذاب النار إلى عذاب الزمهرير، فقد رُوِيَ أنهم يدخلون وادياً فيه من الزمهرير ما يقطع أوصالَهم فيتعاوَوْن ويطلبون الرَّدَّ إلى الجحيم» وقال قوم: «إلا ما شاء الله هم العصاة الذين يدخلون النار من أهل التوحيد، ووقعت» ما «عليهم لأنهم نوع كأنه قيل: إلا النوعَ الذي دخلها من العصاة فإنهم لا يُخَلَّدون فيها. والظاهر أن هذا استثناءٌ حقيقةً، بل يجب أن يكون كذلك. وزعم الزمخشري أنه يكون من باب قول الموتور الذي ظفر بواتره ولم يَزَلْ يُحَرِّق عليه أنيابه وقد طلب أن يُنَفِّسَ عن خناقه:» أهلكني الله إن نَفَّسْتُ عنك إلا إذا شئت «وقد عَلِمَ أنه لا يشاء ذلك إلا التشفِّي منه بأقصى ما يقدر عليه من التشديد والتعنيف، فيكون قوله» إلا إذا شئت «من أشدِّ الوعيد مع تهكم» . قلت: ولا حاجة إلى ادِّعاء ذلك مع ظهور معنى الاستثناء فيه وارتكاب المجاز وإبراز ما لم يقع في صورة الواقع. وقال الحسن البصريُّ:«إلا ما شاء الله أي: مِنْ كونهم في الدنيا بغير عذاب» ، فجعل المستثنى زمن حياتهم وهو أبعدُ ممَّا تقدَّم.