ما شئت، ليطابق قوله» أجَّلْتَ «، والثاني: أنه قد فَصَل بين المستثنى والمستثنى منه بقوله» قال النار مثواكم خالدين فيها، ومثل ذلك لا يجوز. وأمَّا المعنى فلأن القول بالأجلين: أجل الاخترام والأجل المسمَّى باطل لدلائل مقررة في غير هذا الموضوع.
ثم اختلفوا في هذا الاستثناء: هل هو متصل أو منقطع؟ على قولين فذهب مكي بن أبي طالب وأبو البقاء في أحد قوليهما إلى أنه منقطع والمعنى: قال النار مثواكم إلا مَنْ آمن منكم في الدنيا كقوله: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى}[الدخان: ٥٦] أي: لكن الموتة الأولى فإنهم قد ذاقوها في الدنيا، كذلك هذا، لكن الذين شاءهم الله أن يؤمنوا منكم في الدنيا. وفيه بُعْدٌ، وذهب آخرون إلى أنه متصل، ثم اختلفوا في المستثنى منه ما هو؟ فقال قوم: هو ضمير المخاطبين في قوله «مَثْواكم» أي إلا مَنْ آمن في الدنيا بعد أن كان مِنْ هؤلاء الكفرة. و «ما» هنا بمعنى «مَنْ» التي للعقلاء، وساغ وقوعُها هنا لأن المراد بالمستثنى نوعٌ وصنف، و «ما» تقع على أنواع مَنْ يعقل وقد تقدَّم تحقيق هذا في قوله
ولكن قد اسْتُبعِد هذا من حيث إن المستثنى مخالفٌ للمستثنى منه في زمان الحكم عليهما، ولا بد أن يشتركا/ في الزمان لو قلت:«قام القوم إلا زيداً» كان معناه إلا زيداً فإنَّه لم يقم، ولا يَصحُّ أن يكون المعنى: فإنه سيقوم في المستقبل، ولو قلت:«سأضرب القوم إلا زيداً» كان معناه: فإنِّي لا أضربه في المستقبل، ولا يَصِحُّ أن يكون المعنى: فإني ضربته فيما مضى، اللهم إلا أن يُجْعَلَ استثناء منقطعاً كما تقدَّم تفسيره.