للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانَ كذلك، ولم تعتبر العربُ في كلامِها، وإنما أجاز النحويون «قام القومُ إلا زيدٌ» بالرفع على الصفة كما تقدَّم تقريرُه.

و «منكم» صفةٌ لقليلاً، فهي في محلِّ نصبٍ أو رفعٍ على حَسَب القراءتين. والظاهرُ أن القليلَ مرادٌ بهم الأشخاصُ لوَصْفِه بقوله «منكم» . وقال ابن عطية: «ويُحتمل أَنْ تكونَ القلةُ في الإِيمان، أي: لم يَبْقَ حينَ عَصَوا وكَفَر آخرُهم بمحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا إيمانٌ قليلٌ إذ لا ينفعهم، والأولُ أقوى» انتهى. وهذا قولٌ بعيدٌ جداً أو ممتنعٌ.

قوله: {وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ} جملةٌ من مبتدأ وخبر في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل «تَوَلَّيْتُم» . وفيها قولان، أحدُهما: أنَّها حالٌ مؤكِّدةٌ لأنَّ التولِّيَ والإِعراضَ مترادفان. وقيل: مبيِّنةٌ، فإن التولِّيَ بالبدنِ والإِعراضَ بالقلبِ، قاله أبو البقاء: وقال بعدَه: «وقيل: تَوَلَّيْتم يعني آباءهم، وأنتم مُعْرِضُون يعني أنفسَهم، كما قال: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ} [الأعراف: ١٤١] أي: آباءَهم» انتهى. وهذا يُؤَدِّي إلى [أنّ] جُمْلَةَ قوله {وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ} لا تكون حالاً، لأنَّ فاعلَ التولِّي في الحقيقة ليس هو صاحبَ الحال والله أعلم. وكذلك تكون مبيِّنةً إذا اختَلَفَ متعلَّقُ التولِّي والإِعراضِ كما قال بعضُهم: ثم تَوَلَّيْتم عن أَخْذِ ميثاقكم وأنتم مُعْرِضون عن هذا النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: التولِّي والإِعراضُ مأخوذان من سلوك الطريق، وذلك أنه إذا سَلَكَ طريقاً ورجَع عَوْدَه على بَدْئِه سُمِّي ذلك تولِّياً، وإنْ سَلَكَ في عُرْضِ الطريقِ سُمِّي إعراضاً وجاءَتِ الحالُ جملةً اسميةً مصدَّرةً ب «أنتم» لأنه آكد. وجيء بخبرِ المبتدأ اسماً لأنه أدلُّ على الثبوتِ فكأنه قيل: وأنتم عادَتُكم التولِّي عن الحقِّ والإِعراضُ عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>