ما في حَيِّزها عليها لم يُجْزِه البصريون، وأجازه الكوفيون. قال أبو البقاء:» ولا يَجُوز أَنْ تكونَ «ما» مصدريةً، لأن «قليلاً» يبقى بلا ناصبٍ «. يعني أنَّك إذا جَعَلْتَها مصدريةً كان ما بعدَها صلتَها، ويكون المصدرُ مرفوعاً ب» قليلاً «على أنه فاعلٌ به فأين الناصبُ له؟ وهذا بخلافِ قولِه {كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات: ١٧] فإنَّ» ما «هناك يجوزُ أن تكونَ مصدريةً لأنَّ» قليلاً «منصوبٌ ب كان. وقال الزمخشري:» ويجوز أن تكونَ القِلَّةُ بمعنى العَدَم «. قال الشيخ:» وما ذهبَ إليه من أنَّ «قليلاً» يُراد به النفيُ فصحيحٌ، لكنْ في غيرِ هذا التركيب، أعني قوله تعالى:{فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} لأنَّ «قليلاً» انتصبَ بالفعلِ المثبتِ فصار نظيرَ «قُمْتُ قليلاً» أي: قمتُ قياماً قليلاً، ولا يَذْهَبُ ذاهبٌ إلى أنَّك إذا أَتَيْتَ بفعلٍ مُثْبَتٍ وجَعَلْتَ «قليلاً» منصوباً نعتاً لمصدرِ ذلك الفعلِ يكونُ المعنى في المُثْبَتِ الواقعِ على صفةٍ أو هيئةٍ انتفاءَ ذلك المُثْبَتِ رأساً وعدَمَ قوعِه بالكلِّية، وإنما الذي نَقَل النحويون: أنَّه قد يُراد بالقلة النفيُ المَحْضُ في قولهم: «أقَلُّ رجلٍ يقول ذلك، وقَلَّما يقوم زيد» ، وإذا تقرَّر هذا فَحَمْلُ القلةِ على النفي المَحْضِ هنا ليس بصحيحٍ «. انتهى. / قلت: ما قاله أبو القاسم الزمخشري رحمه الله من أنَّ معنى التقليلِ هنا النفيُ قد قال به الواحديُّ قبلَه، فإنه قال:» أَيْ: لا قليلاُ ولا كثيراً، كما تقول: قَلَّما يفعلُ كذا، أي: ما يفعله أصلاً «.