للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عنه بأنَّ معناه لم نُذْهِبْ بالجميع. وهذا نهايةُ ما وَقَعْتُ عليه من كلام الناس.

قوله: «نَأْت» هو جوابُ الشرط، وجاء فعلُ الشرطِ والجزاءِ مضارعَيْنِ، وهذا التركيبُ أفصحُ التراكيبِ، أعني: مجيئهما مضارِعَيْن. وقوله: «بخيرٍ منها» متعلِّقٌ بِنَأْتِ، وفي «خير» هنا قولان، الظاهرُ منهما: أنها على بابها من كونها للتفضيل، وذلك أنَّ الآتيَ به إن كانَ أَخفَّ من المنسوخ أو المنسوء فخيريَّتُه بالنسبة إلى سقوطِ أعباء التكليف، وإنْ كانَ أَثْقَلَ فخيريَّتُه بالنسبة إلى زيادةِ الثوابِ، وقولُه: «أو مثلِها» أي في التكليف والثواب، وهذا واضحٌ. والثاني: أن «خيراً» هنا مصدرٌ، وليس من التفضيلِ في شيء، وإنَّما هو خيرٌ من الخُيورِ، كخير في قوله: {أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: ١٠٥] و «مِنْ» لابتداء الغاية، والجارُ والمجرور صفةٌ لقولِه «خير» أي: خيرٌ صادِرٌ من جهتِها، والمعنى عند هؤلاء: مَا نَنْسَخْ من آيةٍ أو نؤخِّرْها نأتِ بخيرٍ من الخيور من جهةِ المنسوخِ أو المنسوء. وهذا بعيدٌ جداً لقوله بعدَ ذلك: «أو مثلِها» فإنه لا يَصِحُّ عَطْفُه على «بخير» على هذا المعنى، اللهم إلاَّ أَنْ يُقْصَدَ بالخيرِ عَدَمَ التكليفِ، فيكونَ المعنى: نَأْتِ بخيرِ من الخُيور، وهو عَدَمُ التكليفِ أو نَأْتِ بمثلِ المنسوخِ أو المَنْسوء. وأمَّا عَطْفُ «مثلِها» على الضمير في «منها» ، فلا يجوزُ إلا عند الكوفيين، لعدمِ إعادةِ الخافضِ، وقوله «ما نَنْسَخْ» فيه التفاتٌ من غيبةٍ إلى تكلم، ألا ترى أنَّ قبله «واللهُ يَخْتَصُّ» {والله ذُو الفضل} .

والنَّسْخُ لغةً: الإِزالةُ بغيرِ بدلٍ يُعْقِبُه، نَسَخَتِ الريحُ الأثرَ والشمسُ الظلَّ، أو نَقْلُ الشيءِ من غير إزالة [نحو:] نَسَخْتُ الكتابَ، وقال بعضهُم:

<<  <  ج: ص:  >  >>