ويسأل عن قوله:{فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[البقرة: ١٣٢] كيف نهاهم عن الموت وليس الموت إليهم، فيصح أن يُنهًو عنه؟
والجواب: أن أبا بكر بن السراج، قال: لم يُنهو عن الموت وإن كان اللفظ على ذلك، وإنما نُهوا في الحقيقة عن ترك الإسلام لئلا يصادفهم الموت عليه، فإنه لابد منه، وتقديره: اثبتوا على الإسلام لئلا يصادفكم الموت وا، ـم على غيره.
ومثله في الكلام: لا أرينك هاهنا، فالنهي في اللفظ للمتكلم وهو في المعنى للمخاطب، كأنه قال: لا تتعرض للكون هاهنا، فإن من كان هاهنا لا أراه.
القصاص: القود، والحياة: نقيض الموت، والألباب: العقول، أحدها لب. وهذا من الكلام الموجز.
ونظيره من كلام العرب: القتل أنفى للقتل، إلا أن ما في القرآن أوجه وأفصح وأكثر معاني. والفرق بينهما في البلاغة من أربعو أوجه.
وهو أنه أكثر في الفائدة، وأوجز في العبارة، وأبعد من الكلفة بتكرير الجملة، وأحسن تأليفاً بالحروف المتلائمة. أما الكثرة في الفائدة ففيه كل ما في (القتل أنفى للقتل) ، وزيادة معاني حسنة، منها إبانة العدل لذكره القصاص؛ لأنه ليس في قولهم القتل أنفى للقتل بيان أنه قصاص، ومنا إبانة الغرض المرغوب فيه وهو الحياة، ومنها الاستدعاء بالرغبة والرهبة وحكم الله به.
وأما الإيحاز في العبارة، فإن الذي هو نظير القتل أنفى للقتل، وقله تعالى:{الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} . وهذة عشرة أحرف، والأول أربعة عشر حرفاً. وأما بعده من الكلفة بالتكرير الذي فيه على النفس مشقة، فإن قولهم: القتل أنفى للقتل تكرير غيره أبلغ منه، ومتى كان التكرير كذلك فهو مقصر في باب البلاغة.