ألا يا قَوْمَنا ارْتَحِلوا وسِيرُوا ... فلو تُرِكَ القَطَا لَيْلاً لَنَامَا
أي أن القطا لو تُرك ما طار في هذه الساعة. وقد أتاكم القوم. فلم يلتفوا إلى قولها وأخلدوا إلى المضاجع لما نالهم من الكلال. فقام دَيْسم بن طارق فقال بصوتٍ عالٍ:
إذَا قالت حَذامِ فَصَدِّقُوها ... فإنَّ القولَ ما قالَتْ حَذامِ
وحكى أبو عبيدة أنه سمع ابن الكلبي يقول: إن هذا البيت للُجيم بن صعب والد حنيفة وعِجل ابنَي لُجيم، وكانت حذام امرأته. وثار القوم فلجأوا إلى وادٍ كان منهم قريباً واعتصموا به حتى أصبحوا وامتنعوا منهم.
٢٥٨_قولهم لا مَاءَك أَبْقَيْتِ ولا حِرَكِ أنْقِيْت
أول من قال ذلك الضبّ بن أَوْرى الكَلاعي. وذلك أنه خرج تاجراً من اليمن إلى الشام، فسار أياماً ثم حاد عن أصحابه فبقي فرداً في تيهٍ من الأرض، حتى سقط إلى قوم لا يدري مَن هُم. فسأل عنهم فأُخِبر أنهم هَمدان فنزل بهم وكان طريراً طريفاً. وأنّ امرأة منهم يقال لها عَمْرة بنت سُبيع هَوِيَتْه وهَوِيَها. فخطبها الضبُّ إلى أهلها. وكانوا لا يُزوجون إلا شاعراً أو عائفاً أو عالماً بعيون الماء. فسألوه عن ذلك فلم يعرف منه شيئاً فأبَوا تزويجه. فلم يزل بهم حتى أجابوه فتزوجها. ثم أنّ حيّاً من أحياء العرب أرادوا الغارة عليهم فتطيّروا بالضبِّ فأخرجوه وامرأته وهي طامثٌ فانطلقا ومع الضبِّ سقاء من الماء، فساروا يوماً وليلة وأمامهما عينٌ يظنّان أنهما يُصبِحانها، فقالت له: ادفع لي هذا السقاء حتى أغتسل فقد قاربنا العين، فدفع إليها