يقال: إنه كان في الزمن الأول فيما يُحكى عن البهائم هِرٌّ قد أفنى الجرذان، فاجتمع الباقون فقالوا: نريد أن نحتال بهذا الهرِّ بحيلةٍ، فإنّه قد أفنانا. فاجتمع رأيهم على أن يُعلّق في عنقه جُلجُل، فإذا سمعوا صوته حَذِروه. فجاءوا بالجُلجُل وشدُّوه بالخيط. فلما فعلوا ذلك قالوا: من يشدُدْه في عُنُقِه؟ فقال بعضهم: بَقِيَ شَدُّه. وقد قيل في ذلك:
إِلاَّ امْرَأً يَعْقِدُ خَيْطَ الجُلْجُل
٢٩٣_قولهم خَلاَ لَكِ الجّوّ فبِيضِي واصْفِري
أول من قال ذلك طرفة بن العبد، وهو يومئذ صغير، وذلك أن عمه كان قد حمله معه في بعض أسفاره، فنزل على ماءٍ لهم، وكان عليه قنابرُ، فمضى طَرَفَةَ بفخٍّ فنصبه للقنابر وقعد عامة يومه لم يَصِدْ شيئاً، ونفرت القنابر من ذلك الموضع، فقال:
قَاتَلَكُنَّ الله من قَنَابِرِ ... مُهْتَدِياتٍ بالفَلا نَوَافِرِ
فَلاَ سُقِيتُنَّ مَعِينَ المَاطِرِ
ثم انتزع فخَّه من التراب ورجع إلى عمه. فلما تحمّلوا نظر طَرَفة إلى القنابر تلتقِطُ حَبَّاً كان ألقاهُ لهُنَّ فقال: