كان من حديث جرجس فيما ذكر اسحاق بن بشر القرشي بإسناده عن وهب ابن منبه أنه كان رجلاً من أهل فلسطين على دين عيسى بن مريم في الفترة. وكان في تلك الفترة جبابرة قد ابتدعوا ديناً واتخذوا أصناماً يعبدونها من دون الله جل وعز، كل جبار على حياله.
وكان بالموصل جبار يقال له دادبة، عزيز الملك كثير الغلبة. ولم يأمن جرجس على نفسه عبدة الأوثان الذين ببلده فقال: لا اعلم ملكاً أمنع ولا أهيب في سلطانه من دادبة ببلد الموصل فأخرج فأكون في جواره. فخرج إليه وجاءه حتى دخل عليه فسلم فأنكره؛ ووافق ذلك يوماً قد جلس فيه يعرض الناس على دينه، فمن خالفه عذبه بأنواع العذاب.
لما رأى ذلك جرجس أعظمه وقطع به، ثم إنه شجع نفسه وقال: ما يسعني أن اكون في ذمة هذا، وقذف الله في قلبه بغضه واستحقار ما هو فيه، فقال له: اسمع أيها الملك بغير غضب، واملك نفسك حتى أبلغ ما أريد، ثم أنت بعد أعلم وما ترى. قال: نعم.
قال: أيها العبد الذي لا يملك لنفسه شيئاً ولا لغيره، إن لك رباً يملكك ويملك أهل السماء والأرض، وهو الذي خلقك ورزقك، ثم يميتك ويحييك، وإن شاء حال بينك وبين قلبك ولسانك. إنك عمدت إلى خلق من خلق الله عز وجل، حجر أصم ابكم لا يسمع ولا يبصر ولا يغني، فنحته ثم زينته بالذهب والفضة ثم نصبته فتنة للناس، ودعوته ربا وشبهته بالله تعالى، وليس ينبغي أن تعبد من دون الله شيئاً. فافهم قولي وتدبره، ولا يمنعك خلاف ما تسمع مني لهواك أن ترد الحق.