قال دادبة: إنك جئت يا هذا مغتاظاً علينا مستصغراً لشأننا، فأزريت بنا وبإلهنا، فأخبرني من أنت؟ ومن أين أنت؟ قال جرجس: حق لي أن أغتاظ وأستصغر شانكم حين تعدلون بالله جل ثناؤه. فأما قولك: من أنا ومن أين أنا. فإني عبد الله ابن عبد الله وأمته، خلقت من التراب وإليه أعود، وهو النسب المعروف، إليه مصيرك ومصير العباد. فلم يزل الملك يراده ويحاجه، ويعرض عليه ملكه وهو لا يزداد إلا ثباتاً على ما هو فيه، وطعناً على إلهه ومذهبه.
فلما طال ذلك على الملك قال له: اختر إما أن تسجد لصنمي سجدة فتنظر كيف أثيبك عليها، وإما أن ألقيك في هذه النار وأعذبك بأنواع العذاب! فقال له جرجس: أنا لا أسجد إلا لمن خلق السماوات والأرض.
فلما يئس الملك منه أمر به فصلب على خشبة، وحمل على أمشاط الحديد يمشط بها لحمه وجلده حتى تقطع لحمه وعصبه، وهو ينضح من خلال ذلك بالخل والخردل. فلما رأى أن ذلك لم يقتله أمر بمسامير من حديد فأحميت، ثم سمرها في رأسه حتى سال دماغه. فلما رأى ذلك لم يقتله أمر بحوض من نحاس فأوقد عليه حتى جعل ناراً ثم أمر به فأدخل وأطبق عليه. فلما رأى أن ذلك لم يقتله، دعا به فقال: أما تجد لهذا العذاب الذي أعذبك به ألماً؟ قال: ألم أخبرك أن لك رباً هو أولى بك من نفسك؟ قال بلى! قال فهو الذي خفف عني عذابك وصبرني عليه ليحتج بي عليك غذ زعمت أن وليه ضعيف! ولك في هذا معتبر.
فلما قال ذلك خافه على ملكه وعزم على طرحه في السجن. فقال له الملأ من قومه: عن تركته في السجن طريحاً توشك أن يكيل بهم عليك، ولكن عذبه