العامل وأنحر البازل، وأُسكت القائل. قال جُندَب: إنك لتعم أنك لو فزِعتَ دعوتني عِجلاً، وما ابتغيت لي بدلاً. ولرأيتني بطلاً. فغضب سعد وأنشأ يقول:
هل يَسُودُ الفَتِى إذا قَبُحَ الوَجْ ... هُ وأمْسَى قِراهُ غَيْرَ عَتِيدِ
وإذا النَّسُ في النَّدِيِّ رأَوْهُ ... ناطِقاً قال قِوْلَ غَيْرٍ سَدِيدِ
فأجبه جندب:
لَيْسَ زَيْنُ الفَتَى الجَمَالَ ولكن ... زَيْنُهُ الضَّرْبُ بالحُسام التَلِيدِ
إن يجُدْك الفَتَى فَذَاك وإلاَّ ... رُبَّما ضَنَّ باليَسيرِ العَتِيد
قال سعد، وكان عائفاً: أما والذي أحلفُ به لتأْسِرنَّكَ ظَعينَةٌ، بين القرية والرقينة، ولقد أخبرني طيري، أنه لا يُغيثك غيري. وتفرّقا على ذلك. فغبرا حيناً ثم إن جُنباً خرج على فرس له يطلب القنص، فأتى أَمةً لبني تميم يقال أصلها من جُرْهُم. فقال: لتُمكّنني مسرورةً، أو لتُقهرنَّ مجبورة قالت: مهلاً فإن المرء من نُوكِه، يشرب من سقاء لم يوكِه. فنزل عن فرسه ودنا منها، فقبضت على يديه بيدٍ واحدة فلم يقدر على أن يتحرك، ثم كتفته بعنان فرسه وراحت به مع غنَمِها وهي تحدو به وتقول:
لا تأْمِنَنَّ بَعْدَها الوَلائِدا ... فسوف تَلْقَى باسِلاً مُوَارِدَا
وَحَيَّةٌ تُضْحِي بحَقٍّ رَاصِدَا
فمرّ سعد في إبله فقال: يا سعد أغِثني. فقال سعد: إن الجبان لا يُغيث! فقال جُندَب: