ضرعها فولّت تَشْخَب دماً ولبناً حتى بركت بفناء صاحبها. فلما نظر إليها صرخ بالذل، فخرجت جارته البسوس فأقبلت حتى نظرت إلى الناقة. فلما رأت ما بها ضربت يدها على رأسها ونادت واذُلاّه. ثم أنشأت تقول وجسّاس يسمع:
لَعَمْرُك لو أَصْبَحْتَ في دار مِنْقَرٍ ... لمَا ضِيمَ سَعْدٌ وهو جارٌ لأبياتِي
ولَكِنَّنِي أصبحتُ في دارِ غُرْبَةٍ ... مَتَى يَعْدُ فيها الذِئبُ يَعْدُ على شاتِي
فيا سَعْدُ لا تَغْرُز بنفسك وارْتَحِل ... فإنك في قومٍ عن الجار أَمْواتِ
ودُونَك أَذْوادِي فإنَّيَ عَنْهُمُ ... لَرَاحِلَةٌ لا يُفْقِدُوني بُنَيَّاتي
فلما سمع جسّاس قولها سكّنها وقال: أيتها المرأة ليقتلنَّ غداً جمل هو أعظم عقراً من ناقة جارك. ولم يزل جسّاس يتوقع غِرّة كليب حتى خرج كليب لا يخاف شيئاً. وكان إذا خرج تباعد في الحي، فبلغ جسّاساً خروجه، فخرج على فرسه وأخذ رمحه، واتبعه عمرو بن الحارث فلم يدركه حتى طعن كليباً فدقَّ صلبه ثم وقف عليه. فقال كليب: يا جسّاس أغِثني بشربةٍ من ماء. فقال جسّاس تركت الماء وراءك. وانصرف عنه. ولحقه عمرو فقال لعمروٍ أغِثني بشربة ماء فنزل إليه فأجهز عليه فقيل:
المُسْتَجِيرُ بعَمْروٍ عند كُرْبَتِهِ ... كالمُسْتَجِيرِ من الرَّمْضِاءِ بالنَّارِ
وأقبل جسّاس يركض حتى هجم على قومه. فنظر أبوه إليه وركبته بادية. فقال لمن حوله: لقد أتاكم جسّاس بداهية. قالوا: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: لظهور ركبته، فإني لا أعلم أنها بدت قبل يومها. ثم قال: ما وراءك يا جسّاس. فقال: والله لقد طعنت طعنة لتجمعنَّ منها عجائز وائل رقصاً قال: وما هي ثكلتك أمك؟