للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو الدرداء: إن الله إذا قضى قضاء أَحَبّ أن يُرضى به. وقالت أم الدرداء: إن الراضين بقضاء الله الذين ما قضى لهم رضوا به، لهم في الجنة منازل، يغبطهم بها الشهداء يوم القيامة.

وقال ابن مسعود (١): إن الله بقسطه وعلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. وقد رُوي هذا مرفوعًا من وجه ضعيف (٢).

وكان عمر بن عبد العزيز يقول: لقد تركتني هؤلاء الدعوات وما لي في شيء من الأمور إرب إلا في مواقع قدر الله عز وجل، وكان يدعو بها كثيرًا: اللهم ارضني بقضائك وبارك لي في قدرك، حتى لا أَحَبّ تعجيل شيء أخرته، ولا تأخير شيء قدّمته.

وقال ابن عون: ارض بقضاء الله عَلَى ما كان من عسر ويسر؛ فإن ذلك أقل لهمك، وأبلغ فيما تطلب من أمر آخرتك، واعلم أن العبد لن يصيب حقيقة الرضا حتى يكون رضاه عند الفقر والبلاء كرضاه عند الغنى والرخاء، كيف تستقضي الله في أمرك؟ ثم تسخط إن رأيت قضاءه مخالفًا لهواك! ولعل ما هويت من ذلك لو وفق لك لكان فيه هلاكك، وترضى قضاءه إذا وافق هواك وذلك لقلة علمك بالغيب! وكيف تستقضيه إن كنت ذلك؟ ما أنصفت من نفسك ولا أصبت باب الرضا!

وهذا كلام حسن، ومعناه أن العبد إذا استخار الله -عز وجل- فينبغي له أن يرضى لما اختاره له من موافق لهواه أو مخالف له؛ لأنّه لا يدري في أيهما الخيرة له والله تعالى غير متهم في قضائه لمن استخاره.

ومن ها هنا كان طائفة من السَّلف ابن مسعود وغيره يأمرون من يخاف أن


(١) أخرجه البيهقي في "الشعب" (٢٠٥ - سلفية) وإسناده منقطع.
(٢) أخرجه الطبراني في الكبير (١٠/ ١٠٥١٤)، والبيهقي في "الشعب" (٢٠٤ - سلفية)، وأبو نعيم في الحلية (٤/ ١٢١، ٧/ ١٣٠). قال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري ومن حديث الأعمش، تفرد به خالد بن يزيد العمري.
وقال الهيثمي في المجمع (٤/ ٧١): وفيه خالد بن يزيد العمري واتهم بالوضع.