للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يصبر عَلَى ما يخالف هواه مما يختار له أن يقول في استخارته: في عافية فإنَّه قد يختار له البلاء ولا يصبر عليه، وقد رُوي مرفوعًا من وجه ضعيف (١)!.

وعن بكر المزني أن رجلاً كان يكثر الاستخارة فابتلي فجزع ولم يصبر فأوحى الله إِلَى نبي من أنبيائهم أن قل لعبدي فلان: إذا لم يكن من أهل العزائم فهلا استخرتني في عافية!

وفي حديث سعد المرفوع: «مِنْ سَعادَةِ الْمَرْءِ استِخَارَتُهُ رَبُّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَرِضَاهُ بِمَا قَضَى، وَإِنَّ مِنْ شَقَاوَتهِ تَرْكُهُ الاسْتِخَارَةَ وَسَخَطُهُ بِمَا قَضَى» خرَّجه الترمذي (٢) وغيره (٣).

وللرضا بالقضاء أسباب منها:

يقين العبد بالله وثقته بأنه لا يقضي للمؤمن قضاء إلا وهو خير له، فيصير كالمريض المستسلم للطبيب الحاذق الناصح فإنَّه يرضى بما يفعله به من مؤلم وغيره لثقته به ويقينه أنَّه لا يريد له إلا الأصلح، وهذا الَّذِي أشار إِلَيْهِ ابن عون في كلامه المتقدم ذكره.

ومنها:

النظر إِلَى ما وعد الله من ثواب الرضا، وقد يستغرق العبد في ذلك حتى ينسى ألم المقضي به كما رُوي عن بعض الصالحات من السلف أنها عثرت فانكسر ظفرها، فضحكت وقالت: أنساني لذة ثوابه مرارة ألمه.

ومنها:

وهو أعلى من ذلك كله الاستغراق في محبة المبتلي ودوام ملاحظة جلاله وجماله وعظمته وكماله الَّذِي لا نهاية له، فإن قوة ملاحظة ذلك يوجب


(١) أخرجه الطبراني في الكبير (١٠/ ١٠٠١٢، ١٠٠٥٢).
(٢) برقم (٢١٥١). وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن أبي حميد. ويقال له أيضاً حماد بن أبي حميد، وهو أبو إبراهيم المدني، وليس هو بالقوي عند أهل الحديث.
(٣) وأخرجه أحمد (١/ ١٦٨) وغيره.