الاستغراق فيه حتى لا يشعر بالألم كما غاب النسوة اللاتي شاهدن يوسف عن ألم تقطيع أيديهن بمشاهدته.
قال الجنيد سألت سريًّا: هل يجد المحب ألم البلاء؟ فَقَالَ: لا. وهذا إشارة منه إِلَى هذا المقام، ومنه قول جماعة من أهل البلاء: دعه يفعل بنا ما يشاء فلو قطعنا إربًا إربًا ما ازددنا له إلا حبًّا.
وفي هذا المعنى يقول بعضهم:
لو قطّعني الغرام إربًا إربًا ... ما ازددت عَلَى الملام إلا حبًّا
لا زلت بكم أسير وجدٍ صبا ... حتى أقضي عَلَى هواكم نحبا
وكان إبراهيم بن أدهم قد خرج من ملكه وماله وولده وحشمه، فرأى ولده في الطواف فلم يكلمه، وقال:
هجرتُ الخلق طرّا في (رضاكا)(*) ... وأيتمتُ العيال لكي أراكا
فلو قطّعتني في الحب إربًا ... لما حنَّ الفؤاد إِلَى سواكا
كان جماعة من المحبين كالفضيل وفتح الموصلي إذا باتوا ليلة بغير عشاء ولا سراج اشتد فرحهم، وبكوا من الفرح، وقالوا: مثلنا يترك بغير عشاء ولا سراج بأي يد كانت منَّا، وبأي وسيلة توسلنا بها، وكان فتح يجمع ولده في ليالي الشتاء، ويغطيهم بكسائه، ويقول: أجعتني وأجعت عيالي، وأغربتني وأغربت عيالي، وإنَّما تفعل ذلك بأوليائك وأحبابك فهل أنا منهم حتى أفرح؟.
ودخلوا عَلَى بعض السَّلف وهو مريض فقالوا له: ما تحب؟ فَقَالَ: أحبُّه إِلَيّ أحبُّه إِلَيْهِ.