للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال سليمان الخواص: الصبر دون الرضا، فالرضا: أن يكون الرجل قبل نزول المصيبة راض بأي ذلك كان، والصبر: أن يكون بعد نزول المصيبة يصبر.

وحقيقة الفرق بين الصبر والرضا: أن الصبر كف النفس وحبسها عن التسخط مع وجود الألم، والرضا يوجب انشراح الصدر وسعته، وإن وجد الإحساس بأصل الألم لكن الرضا يخفف الإحساس بالألم لما يباشر القلب من روح اليقين والمعرفة، وقد يزيل الإحساس به بالكلية عَلَى ما سبق تقريره.

ولهذا قال طائفة كثيرة من السَّلف منهم عمر بن عبد العزيز، والفضيل، وأبو سليمان، وابن المبارك، وغيرهم: إن الراضي لا يتمنى غير حاله التي هو عليها بخلاف الصابر.

وقد رُوي عن طائفة من الصحابة هذا المعنى أيضاً، وأنهم كانوا لا يتمنون غير ما هم عليه من الحال، منهم عمر وابن مسعود.

قال عبد العزيز بن أبي روَّاد: كان عابد يتعبد في بني إسرائيل، فرأى في منامه أن فلانة زوجتك في الجنة، فاستضافها ثلاث ليال لينظر عملها، فكانت تنام وهو يقوم، وتفطر وهو يصوم، فلما فارقها سألها عن أوثق عملها عندها، قالت: هو ما رأيت، إلا خصلة واحدة، إن كنت في شدة لم أتمنّ أني في رخاء، وإن كنت في مرض لم أتمنّ أني في صحة وإن كنت جائعة لم أتمنّ أني شبعانة، وإن كنت في شمس لم أتمنّ أني في ظلٍّ.

فَقَالَ العابد: هذه والله خصلة يعجز عنها العباد.

وكما أن الصبر إِنَّمَا يكون عند الصدمة الأولى، كما صح ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (١) فالرضا إِنَّمَا يكون بعد نزول البلاء، كما كان النبي صلّى الله عليه وسلم يقول في دعائه: "وأسألك الرضا بعد القضاء" (٢).


(١) أخرجه البخاري (١٣٠٢)، ومسلم (٦٢٦).
(٢) أخرجه النسائي (١٣٠٥)، والحاكم في المستدرك (١/ ٥٢٤ - ٥٢٥) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.