للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكرنا حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلّى الله عليه وسلم: "سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فخيار أهل الأَرْض ألزمهم مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهلهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، وَتَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ".

وفي رواية: "تكون هجرة بعد هجرة، فخيار الأرض إِلَى مهاجر إبراهيم ... " وذكر الحديث، فهذا كله يدل عَلَى أن خيار الناس في آخر الزمان مهاجرون إِلَى مهاجر إبراهيم عليه السلام، وهي الشام طوعًا فيجتمعون فيها، وأما شرار الناس فيحشرون كرهًا (١) تحشرهم النار من بلادهم إِلَى الشام.

وقد تكاثرت الأحاديث والآثار بذكر هذه النار، ففي صحيح البخاري (٢) عن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "أول أشراط الساعة نار تحشرهم من المشرق إِلَى المغرب".

والمراد بالمغرب ها هنا -والله أعلم-: الشام، كما سبق في تفسير قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال أهل الغرب ظاهربن عَلَى الحق".

وفي الصحيحين (٣) عن أبي هريرة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ، رَاغِبِينَ رَاهِبِين وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، َتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا».

فهذه الثلاث المذكورة في هذا الحديث: أحدها: من يحشر راغبًا، وهو من يهاجر إِلَى الشام طوعًا.

والثاني: من يحشر رهبة وخوفًا عَلَى نفسه؛ لظهور الفتن في أرضه.

والثالث: من تحشره النار قسرًا، وهو شر الثلاثة وخرج الإمام أحمد (٤) من حديث أبي ذر قال: "أقلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فرأينا) (٥) ذا الحليفة، فتعجل


(١) رسمت في الأصل: كذكرها!.
(٢) برقم (٣٩٣٨).
(٣) أخرجه "البخاري" (٦٥٢٢)، و"مسلم" (٢٨٦١).
(٤) (٥/ ١٤٤).
(٥) هكذا في الأصل: "وفي المسند": فنزلنا.