للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما يدل على تفضيل العِلْم على العبادة: قصة آدم عليه السلام فإن الله تعالى إنما أظهر فضله على الملائكة بالعلم، حيث علمه أسماء كل شيء واعترفت الملائكة بالعجز عن معرفة ذلك، فلما أنبأهم آدم بالأسماء ظهر حينئذ فضله عليهم، وقال عز وجل لهم:

{أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} (١).

وذكر طائفة من السلف أَنَّ الَّذِي كتمُوهُ أنّهُمْ قالُوا فِي أنفُسهمْ: لَنْ يَخْلُقَ اللهُ خَلْقًا إِلاَّ نَحْنُ أَكرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ.

ومما يدل على فضل العِلْم أن جبرئيل عليه السلام، إنما فضل على الملائكة المشتغلين بالعبادة بالعلم الَّذِي خص به، فإنه صاحب الوحي الَّذِي ينزل به على الأنبياء -عليهم السلام-.

وكذلك خواص الرسل إنما فضلوا على غيرهم من الأنبياء -عليهم السلام - بمزيد العِلْم المقتضي لزيادة المعرفة بالله والخشية له.

ولهذا وصف الله تعالى محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في كتابه ومدحه بالعلم الَّذِي اختصه به، وامتن به عليه في مواضع كثيرة، وأمره أن يعلمه لأمته.

فأول ما ذكره بالعلم وبتعليمه في قصة إبراهيم حين دعا ربه لأهل، البيت الحرام أن يبعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ثم امتن علينا بأن بعث فينا رسولاً منا، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذه الصفة، فَقَالَ تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (٢).


(١) البقرة: ٣٣.
(٢) آل عمران: ١٦٤.