ومن أعظم أسباب المعرفة الخاصة: التفكر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء.
قال الجوزجاني: حدثني صاحب لي عن جعفر بن سليمان قال: "كنا نكون عند مالك بن دينار عشية جمعة، فكان يجيء خليفة العبدي بعد العصر فيأخذ بعضادتي الباب فيقول: يا أبا يحيى، عليك السلام، يا أبا يحيى، لو أن الله - تعالى- لم يعبد إلا عن رؤية ما عبده أحد، لأنه عز وجل لا تدركه الأبصار ولكن المؤمنون تفكروا في مجيء هذا الليل إذا جاء فطبق كل شيء وملأ كل شيء، ومجيء سلطان النهار وتفكروا في مجيء النهار إذا جاء فملأ كل شيء وطبق كل شيء، ومجيء سلطان الليل، وتفكروا في السحاب المسخر بين السماء والأرض، وتفكروا في الفلك التى تجري في البحر بما ينفع الناس، وتفكروا في مجيء الشتاء والصيف، فوالله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق لهم ربهم حتى أيقنت قلوبهم، وحتى كأنما عبدوا الله عن رؤية".
وكان شميط بن عجلان يقول:"دلنا ربنا عَلَى نفسه في هذه الآية: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ... } الآية [الأعراف: ٥٤، ويونس: ٣].
وفي القرآن شيء كثير من التذكير بآيات الله الدالة عَلَى عظمته وقدرته وجلاله وكماله وكبريائه ورأفته ورحمته وبطشه وقهره وقدرته وانتقامه، غير ذلك من صفاته العلى وأسمائه الحسنى والندب إِلَى التفكر في مصنوعاته الدالة علي كماله، فإن القلوب مفطورة عَلَى محبة الكمال، ولا كمال عَلَى الحقيقة إلا له سبحانه وتعالى، ولهذا كان السَّلف يفضلون التفكر عَلَى نوافل البدن. ورُوي ذلك عن الحسن وابن المسيب.
قال عمر بن عبد العزيز: "الفكر في نعم الله أفضل العبادة".
وقال عبد الله بن محمد التيمي: "أفضل النوافل طول الفكرة".