وقال الفضيل: "طوبى لمن استوحش من الناس وكان الله أنيسه".
وقال أبو سليمان: "لا آنسني الله -عز وجل- إلا به أبدًا".
وقال رجل لمعروف الكرخي: "أوصني. قال: توكل عَلَى الله حتى يكون جليسك وأنيسك وموضع شكواك، وأكثر ذكر الموت حتى لا يكون لك جليس غيره، واعلم أن الشفاء لما نزل بك كتمانه، وأن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك ولا يعطونك ولا يمنعونك".
وقال سعيد بن عثمان: سمعت ذا النون يقول: "من علامات المحب لله: ترك كل ما يشغله عن الله حتى يكون الشغل بالله وحده. ثم قال: إن من علامات المحبين لله أن لا يأنسوا بسواه ولا يستوحشوا معه ثم قال: إذا سكن حب الله القلب أنس بالله؛ لأن الله أجل في صدور العارفين من أن يحبوا سواه".
وكانت رابعة العدوية تنشد هذين البيتين:
ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي ... وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانس ... وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
ورؤي بعض العارفين يصلي في مكان وحده، فلما سلم قِيلَ لَهُ:
"ما معك مؤنس؟ قال: بلى. قِيلَ لَهُ: أين هو؟ قال: أمامي وخلفي ومعي وعن يميني وعن شمالي وفوقي. قِيلَ لَهُ: معك زاد؟ قال: نعم: الإخلاص. قِيلَ لَهُ: أما تستوحش في وحدتك؟ قال: إن الأنس بالله قطع عني كل وحشة حتى لو كنت بين السباع ما خفتها".
وقال بعض العارفين: "عجبت لمن عرف الطريق إِلَى الله كيف يعيش مع غيره، والله -تعالى- يقول:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ... } الآية [الزمر: ٥٤] ".