للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"اللهم إني أسألك الرضا (بالقدر) (١) وبرد العيش بغد الموت، ولذة النظر (في) (٢) وجهك (وشوقًا) (٣) إِلَى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة".

وإنَّما قال: "من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة" والله أعلم؛ لأنّ محبة لقاء الله وهو محبة الموت تصدر غالبًا إما من ضراء وهي ضراء الدُّنْيَا، وقد نهى عن تمني الموت حينئذ، وإما عن فتنة مضلة، وهي خشية الفتنة في الدين، وهو غير منهي عنه في هذه الحال.

والمسئول ها هنا الشوق إِلَى لقاء الله [غير] (٤) الناشئ عن هذين الأمرين؛ بل عن محض المحبة، وقد دل قوله تعالى في حق اليهود: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ٩٤] عَلَى أن من كان عَلَى حالة حسنة من الاستعداد للقاء الله؛ فإنَّه يتمنى لقاء الله ويحبه، وأنه لا يكره ذلك إلا من هو مريب في أمره، ولهذا قال: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة: ٩٥] ثم قال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة: ٩٦] فذمهم عَلَى حرصهم عَلَى الحياة الدُّنْيَا.

وفي مسند الإمام أحمد (٥) عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "لا يتمنى الموت إلا من وثق بعمله"

وقد كان كثير من السَّلف الصالح يتمنون الموت شوقًا إِلَى [لقاء] (٦) الله -عز


(١) في المطبوع: "بعد القضا".
(٢) في المطبوع: "إِلَى".
(٣) في المطبوع: "والشوق".
(٤) من المطبوع.
(٥) (٢/ ٣٥٠).
وقال الهيثمي في المجمع (١٠/ ٢٠٦): رواه أحمد وفيه ابن لهيعة، وهو مدلس وفيه ضعف وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(٦) من المطبوع.