للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بخلاف ذلك، ولا يتمنى الموت؛ بل يستعظمه حتى يكاد يتصدع قلبه من ذكره.

وقد نازع أبو سليمان الداراني: من كان يتمنى الموت شوقًا إِلَى لقاء الله، وخالفهم في ذلك وقال: لو أعلم أن الأمر كما تقولون لأحببت أن نفسي تخرج الساعة، ولكن كيف بانقطاع الطاعة والحبس في البرزخ؟ وإنَّما نلقاه بعد البعث".

وقال أحمد بن أبي الحواري: "فهو في الدُّنْيَا أحرى أن نلقاه -يعني: بالذكر".

فأبو سليمان وصاحبه أحمد بن أبي الحواري -رحمهما الله تعالى- يقولان: ما يجده العارفون المحبون في الدُّنْيَا من حلاوة الطاعة ولذة المعاملة واستنارة القلوب وتقربها من علام الغيوب أكمل مما يحصل لهم في البرزخ قبل البعث، فإنَّه لا يمكن رؤية الله -تعالى- بالأبصار إلا في يوم القيامة.

وقد جاء في حديث: "إن يوم القيامة أول يوم نظرت فيه عين إِلَى الله - عز وجل".

وأما الأولون فإنهم يخالفون في ذلك ويَقُولُونَ قد يحصل للمحبين في البرزخ اتصال وقرب من الله -سبحانه- ورؤية للأرواح، فيكون ذلك أكمل من الحاصل لهم في الدُّنْيَا بالعمل؛ كما أن نعيم البرزخ بالمخلوقات من الجنة أكمل من نعيم الدُّنْيَا أيضاً، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم: "اعلموا أنكم لن تروا ريكم حتى تموتوا" (١).

وهذا يدل بمفهومه عَلَى أن (رؤيته) (٢) سبحانه تحصل بعد الموت.

وقد روى في ذلك من المبشرات الأحلامية قديمًا وحديثًا ما يطول ذكره؛ و [قد] (٣) اتفق العارفون كلهم عَلَى أن ما يحصل بعد البعث للعارفين المحبين أكمل


(١) أخرجه مسلم (٢٩٣١) بنحوه من حديث عمر بن ثابت الأنصاري، عن بعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم.
وأخرجه أحمد (٥/ ٣٢٤) من حديث عبادة بن الصامت
وأخرجه ابن ماجه (٤٠٧٧) من حديث أبي أمامة الباهلي.
وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (٤٣١) من حديث معاوية.
(٢) في المطبوع: "رؤية الله".
(٣) من المطبوع.