للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعيم القلوب، وربما يستغرقون [به] (١) عن الشعور بتعب الأبدان، فهذا القدر الَّذِي حصل لهم به التنعم في الدُّنْيَا يتزايد في الجنة بلا ريب، لا سيما في أوقات الصلوات؛ فإن أكملهم من ينظر إِلَى وجه الله -عز وجل- كل يوم مرتين، بكرة وعشية، في وقت صلاة (الفجر) (٢) وصلاة العصر، كما جاء في حديث ابن عمر مرفوعًا (٣) وموقوفًا، وإلى ذلك أشار النبي - صلى الله عليه وسلم- بالمحافظة عَلَى هاتين الصلاتين (عقب) (٤) ذكره رؤية الرب -سبحانه- في حديث جرير البجلي (٥).

فالنعيم الحاصل لأهل الجنة بالرؤية والمخاطبة في هذين الوقتين أكمل مما كان حاصلا في الدُّنْيَا، وكذلك صلاة الجمعة فإنهم يجتمعون في وقتها في يوم المزيد ويتجلى لهم سبحانه ويحاضرهم محاضرة.

وكذلك في العيدين، فهذا أكمل مما [كان] (١) يحصل لهم في الدُّنْيَا في صلاتهم من آثار القرب وحلاوة المناجاة مع راحة البدن ونعيمه أيضاً.

فتبين بهذا أن نعيم الجنة أكمل من نعيم الدُّنْيَا مطلقًا، وسواء في ذلك نعيم الأبدان بال والشرب والجماع ونعيم [القلوب] (١) والأرواح بالمعارف والعلوم والقرب والاتصال والأنس والمشاهدة، فظهر بهذا أن قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [النمل: ٨٩] هو عَلَى ظاهره من غير حاجة إِلَى تأويل ولا


(١) من المطبوع.
(٢) في المطبوع: "الصبح".
(٣) رواه أحمد (٢/ ١٣، ٦٤) والترمذي (٢٦٧٧، ٣٣٨٦ - تحفة) وقال: هذا حديث غريب.
وقال الترمذي: وقد رُوي هنا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثور عن ابن عمر مرفوعًا، ورواه عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر موقوفًا. ورواه عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم يرفعه. وهو برقم (٢٦٧٨ تحفة) عند الترمذي.
(٤) في المطبوع: "عقيب".
(٥) أخرجه البخاري (٥٥٤) ومسلم (٦٣٣).