للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يطلق اسم العلماء ويراد إدخال الأنبياء فيهم كما في قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} (١).

فلم يفرد الأنبياء بالذكر؛ بل أدخلهم في مسمى العلماء، وكفى بهذا شرفًا للعلماء أنّهم يسمون باسم يجتمعون هم والأنبياء فيه.

ومن هنا قال من قال: إِنَّ العُلَمَاءَ العَامِلِينَ هُمْ أَوْلِيَاءُ اللهِ.

كما قال أبو حنيفة والشافعي: إِنْ لَمْ يَكُنْ العُلَمَاءُ وَالفُقَهَاءُ أَوْلِيَاءَ اللهِ فَلَيْسَ للهِ وَلِيٌّ.

وقال الإمام أحمد في أَهْلِ الْحَدِيثِ: إِنَّهُمْ هُمُ الأَبْدَالُ.

قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ؛ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ".

والمراد بهذا أن العلماء ورثوا الأنبياء فيما خلفوه، وأن الَّذِي خلف الأنبياء هو العِلْم النافع، فمن أخذ العِلْم وحصل له فقد حصل له الحظ العظيم الوافر الَّذِي يغبط به صاحبه.

وَرَأَى ابْنُ مَسْعُود قَوْمًا فِي المَسْجِدِ يَتَعَلَّمُونَ فَقَالَ رَجُلٌ: عَلَى مَا اجْتَمَعَ هَؤُلاَءِ؟ فَقَالَ: عَلَى مِيرَاثِ مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - يَقْتَسِمُونَهُ.

وخرج أبو هريرة إلى السوق، فَقَالَ لأهله: تَرَكْتُمْ مِيرَاثَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - يُقْتَسَمُ فِي المَسْجدِ ِوَأَنْتُمْ هَا هُنَا (٢)؟! فتركة النبي - صلى الله عليه وسلم - وميراثه هو هذا الكتاب الَّذِي جاء به مع السنة المفسرة له المبينة لمعانيه.

وفي "صحيح البخاري" (٣) عن ابن عباس "أنّه سئل: أترك النبي -صلى الله عليه وسلم- من شيء؟ قال: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، يَعْنِي: دفتي المُصْحَف".


(١) آل عمران: ١٨.
(٢) ذكره الهيثمي في "المجمع" (١/ ١٢٤) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وإسناده حسن. أهـ.
(٣) برقم (٥٠١٩).