للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولبعضهم:

خذ العفو وأمر بعرف كما ... أمرت وأعرض عن الجاهلين

ولن في الكلام لكل الأنام ... فمستحسن من ذوي الجاه لين

وقد وصف الله عز وجل في كتابه أهل الجنة بمعاملة الخلق بالإحسان بالمال واحتمال الأذى، فَقَالَ تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٣، ١٣٤] فالإنفاق في السراء والضراء يقتضي غاية الإحسان بالمال من الكثرة والقلة، وكظم الغيظ والعفو عن الناس يقتضي عدم المقابلة عَلَى السوء بمثله من قول وفعل، وذلك يتضمن إلانة القول، واجتناب الفحش والإغلاظ في المقال ولو كان مباحًا، وهذا نهاية الإحسان، فلهذا قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

ومن هذا قول بعضهم وقد سئل عن حسن الخلق، فَقَالَ: بذل الندى (١) وكف الأذى. وهذا الوصف المذكور في القرآن أكملُ من هذا، لأنّه وصفهم ببذل الندى، واحتمال الأذى.

وحُسن الخُلُق يبلغ به العبد درجات المجتهدين في العبادة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم النهار، القائم الليل" (٢).

ورؤي بعض السَّلف في المنام فسئل عن بعض إخوانه الصالحين، فَقَالَ: وأين ذلك؟ رُفع في الجنة بحُسن الخلق.

ومما يندب إِلَى إلانة القول فيه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون برفق كما قال تعالى في حق الكفار: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥]


(١) الندى: السخاء والكرم. (لسان العرب: ١٥/ ٣١٥).
(٢) أخرجه أبو داود (٤٧٩٨) وغيره وفيه إرسال بين المطلب بن حنطب وعائشة.
وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (٢٨٤) وغيره عن أبي هريرة.
وأخرجه الطبراني في الأوسط (٦٢٧٣) عن علي وقال: لا يروى هذا الحديث عن علي رضي الله عنه إلا بهذا الإسناد، تفرد به إسماعيل بن عياش.