للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حين سأله: أين أجدك؟. قال: عند المنكسرة قلوبهم من أجلي، فإني أدنو منهم كل يوم باعًا ولولا ذلك لانهدموا (١).

ورُوي عن عبد الله بن سلام أنَّه فسره، فَقَالَ: هم المنكسرة قلوبهم بحب الله عن حب غيره.

وفي الحديث المشهور المرفوع: "إن الله تعالى إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له، فَإِذَا تجلَّى لقلوب العارفين عظمة الله وجلاله وكبرياؤه اندكَّت قلوبهم من هيبته، وخشعت وانكسرت من محبته ومخافته" (٢).

مساكين أهل الحب حتى قبورهم ... عليها تراب الذل بين المقابر

فالمسكين في الحقيقة من استكان قلبه لربه وخشع من خشيته ومحبته، ولا يكون المسكين ممدوحًا بدو هذه الصفة، فإن من لم يخشع قلبه مع فقره وحاجته فهو جبار كتلك الأمة السوداء التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنها جبارة".

وهو إما عائل مستكبر أو فقير مختال، وكلاهما لا ينظر الله إِلَيْهِ يوم القيامة، فالمؤمن يستكين قلبه لربه ويخشع له ويتواضع، ويظهر مسكنته وفاقته إِلَيْهِ في الشدة والرخاء، أما في حال الرضا فإظهارًا للشكر، وأما في حال الشدة فإظهارًا للذل والعبودية والفاقة والحاجة إِلَى كشف الضر، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]، فذمّ من لا يستكين لربه عند الشدة، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يخرج عند الاستسقاء متواضعًا متخشعًا


(١) أخرجه ابن أبي عاصم في الزهد (١/ ٥٧) وأبو نعيم في الحلية (٦/ ١٧٧) عن عمران القصير قال: قال موسى وفيه انقطاع بين عمران وموسى عليه السلام. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (٢/ ٣٦٤) عن مالك بن دينار قال: قال موسى عليه السلام وفيه انقطاع أيضاً.
قال القاري في الأسرار المرفوعة (ص ١١٨): لا أصل له.
(٢) قال الشيخ جاسم: لم أقف عليه ولا أظنه إلا موضوعًا، فهو أشبه بكلام المتصوفة من كلام المعصوم - صلى الله عليه وسلم - وغفر الله لابن رجب ما كان أغناه عن مثل هذه الأحاديث التى لا خطام لها ولا أزمة.