للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفسوق والعصيان. وفتنة الممات يدخل فيها سوء الخاتمة وفتنة الملكين في القبر، فإن الناس يفتنون في قبورهم مثل أو قريبًا من فتنة الدجال.

ثم خصَّ فتنة الدجال بالذكر لعظم موقعها، فإنَّه لم يكن في الدُّنْيَا فتنة قبل يوم القيامة أعظم منها، وكلما قرب الزمان من الساعة كثرت الفتن.

وفي حديث معاوية عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إنه لم يبق من الدُّنْيَا إلا بلاء وفتنة" (١).

وقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلم عن الفتن التي تكون كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدُّنْيَا (٢).

وكان أول هذه الفتن ما حدث بعد عمر رضي الله عنه، ونشأ من تلك الفتن قتلُ عثمان رضي الله عنه، وما ترتب عليه من إراقة الدماء وتفرُّق القلوب وظهور فتن الدين كبدع الخوارج المارقين من الدين وإظهارهم ما أظهروا، ثم ظهور بدع أهل القدر والرفض ونحوهم، وهذه هي الفتنة التي تموج كموج البحر المذكورة في حديث حذيفة المشهور حين سأله عنها عمر (٣)، وكان حذيفة رضي الله عنه من كثر الناس سؤالاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن الفتن خوفًا من الوقوع فيها (٤). ولما حضره الموت قال: حبيب جاء عَلَى فاقة، لا أفلح من ندم! الحمد لله الَّذِي سبق بي الفتنة! قادتها وعلوجها (٥) (٦). وكان موته قبل قتل عثمان رضي الله عنه بنحو من أربعين يومًا، وقيل: بل مات (بعد قتل) عثمان.


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٩٤)، وابن ماجه (٤٠٣٥) وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات.
(٢) أخرجه مسلم (١١٨) عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه البخاري (٧٠٩٦)، ومسلم (١٤٤).
(٤) أخرجه البخاري (٧٠٨٤)، ومسلم (١٨٤٧).
(٥) العلوج جمع عِلْج، وهو الرجل من كفار العجم (اللسان مادة: علج).
(٦) أخرجه أبو نعيم في الحلية (١/ ٢٨٢).