للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي حديث ابن عبَّاسٍ: "حُبِّ المَالِ وَالشَّرَفِ" بدل "الحرص".

فهذا مثلٌ عظيم جدًّا ضربه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لفسادِ دينِ المسلم بالحرص عَلَى المالِ والشَّرفِ في الدُّنْيَا، وأن فسادَ الدِّين بذلك ليسَ بدونِ فسادِ الغنم بذئبين جائعين ضاريين يأتيا في الغنمِ، وقد غابَ عنها رعاؤها ليلاً، فهما يأكلانِ في الغنمِ ويفترسانِ فيها.

ومعلومٌ أنّه لا ينجو من الغنم من إفساد الذئبين المذكورين والحالة هذه إلا قليلٌ، فأخبرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ حرصَ المرءِ عَلَى المالِ والشَّرَفِ: إفساده لدينه ليس بأقلّ من إفسادِ الذئبين لهذه الغنمِ؛ بل إمَّا أن يكونَ مساويًا وإما أكثر، يشيرُ إِلَى أنّه لا يسلمُ من دينِ المسلم مع حرصِهِ عَلَى المالِ والشَّرفِ في الدُّنْيَا إلا القليل، كما أنّه لا يسلمُ من الغنم مع إفساد الذئبين المذكورين فيها إلا القليل.

فهذا المثلُ العظيمُ يتضمن غاية التَّحذيرِ من شرِّ الحرصِ عَلَى المالِ والشَّرفِ في الدُّنْيَا.

فأمَّا الحرصُ عَلَى المالِ فهو عَلَى نوعين:

أحدهما: شدةُ محبةِ المال مع شدةِ طلبهِ من وجوهه المباحةِ، والمبالغة في طلبهِ والجدِّ في تحصيلهِ واكتسابهِ من وجوهه مع الجهدِ والمشقةِ.

وقد وردَ أنَّ سببَ الحديث كان وقوع بعض أفرادِ هذا النوع، كما أخرجه الطبرانيُّ من حديثِ عاصم بن عديٍّ، قال: (اشتريتُ) (*) مائةَ سهم من سهامِ خيبر، فبلغ ذلك النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "مَا ذِئْبَانِ ضَارِبَانِ فِي غَنَمٍ غَابَ أضاعَهَا ربُّها بأفسدَ من طَلبِ المسلمِ والمالِ والشَّرَفِ لدينِه".

ولو لم يكنْ في الحرص عَلَى المال إلاَّ تضييعُ العمرِ الشَّريفِ الَّذِي لا قيمةَ له، وقد كان يمكنُ صاحبه اكتساب الدرجات العلى والنَّعيم المقيم، فضيَّعَه الحريص في طلب رزقٍ مضمونٍ، مقسومٍ لا يأتي منه إلا ما قُدِّرَ وَقُسِّمَ، ثم


(*) شريت: "نسخة".