لا ينتفعُ به؛ بل يتركُه لغيرهِ ويرتحل عنه، ويبقى حسابُه عليه ونفعُه لغيره، فيجمعُ لمن لا يحمدُه، ويقدم عَلَى من لا يعذرُه، لكفى بذلك ذَمًّا للحرصِ.
فالحريصُ يضيعُ زمانَه الشريفَ، ويخاطرُ بنفْسه التي لا قيمةَ لها في الأسفارِ وركوبِ الأخطارِ؛ لجمعِ مالٍ ينفع به غيرُه.
كما قيل:
ولا تحسبن الفقر من فقد الغنى ... ولكن فقد الدين من أعظم الفقر
قِيلَ لبعض الحكماءِ: إِنَّ فلانَا جَمَعَ مَالاً. فَقَالَ: فهل جمعَ أيامًا ينفقُه فيها؟ قيل: ما جمعَ شيئًا.
وفي بعضِ الآثارِ الإسرائيلية: الرزقُ مقسومٌ والحريصُ محرومٌ، ابن آدمَ، إذا أفنيتَ عمرَك في طلبِ الدُّنْيَا، فمتى تطلبُ الآخرةَ؟ !
إذَا كنت في الدُّنْيَا عَنِ الخيرِ عاجزًا ... فما أنتَ في يومِ القيامةِ صانعُ
قال ابنُ مسعود: اليقينُ أن لا تُرْضي النَّاسَ بسخطِ الله، ولا تحمد أحدًا عَلَى رزق الله، ولا تلوم أحدًا عَلَى ما لم يؤْتِك الله، فإنَّ رزق الله لا يسوقُه حرصُ حريصٍ ولا يردُّه كراهةُ كاره، فإنَّ الله بقسطهِ وعلمه جعلَ الروحَ والفرحَ في اليقين والرضى، وجعلَ الهمَّ والحزنَ في الشَّكِّ والسخطِ.
وقال بعضُ السَّلف: إذا كان القدرُ حقَّا فالحرصُ باطلٌ، وإذا كان الغدرُ في الناس طباعًا فالثقةُ بكلِّ أحدٍ عجزٌ، وإذا كان الموتُ لكلِّ أحد راصدًا فالطمأنينةُ إِلَى الدُّنْيَا حمق.
كان عبد الواحد بنُ زيد يحلفُ بالله: لحرصُ (المرءِ)(*) عَلَى الدُّنْيَا أخوفُ عليه عندي من أعدى أعدائه.