للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرّجه البخاري (١) من وجه آخر بغير هذا اللفظ.

ولم يزل الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون يخافون النار ويخوفون منها.

فأما ما يذكر عن بعض العارفين من عدم خشية النار فالصحيح منه له وجه، سنذكره إن شاء الله تعالى.

قال ابن المبارك: أخبرني عمر بن عبد الرحمن بن هرمز، سمعت وهب بن منبه يقول: قال حكيم من الحكماء: إني لأستحيي من الله أن أعبده رجاء ثواب الجنة فأكون كالأجير السوء، إن أعطي عمل، وإن لم يعط لم يعمل، وإني لأستحي من الله أن أعبده مخافة النار، أي قط، فأكون كالعبد السوء، إن رهب عمل لأن لم يرهب لم يعمل، لأنه يستخرج حبه مني ما لا يستخرجه مني غيره.

خرجه أبو نعيم بهذا اللفظ.

وفي تفسير لهذا الكلام من بعض رواته، وهو أنَّه ذم العبادة عَلَى وجه الرجاء وحده أو عَلَى وجه الخوف وحده، وهذا حسن.

وكاد بعض السَّلف يقول: من عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف والرجاء والمحبة فهو موحد مؤمن، وسبب هذا أنَّه يجب عَلَى المؤمن أن يعبد الله بهذه الوجوه الثلاثة: المحبة والخوف والرجاء، ولا بد له من جميعها، ومن أخل ببعضها فقد أخل ببعض واجبات الإيمان.

وكلام هذا الحكيم يدل عَلَى أن الحب ينبغي أن يكون أغلب من الخوف والرجاء.

وقد قال الفضيل بن عياش رحمه الله: المحبة أفضل من الخوف، ثم استشهد بكلام هذا الحكيم الَّذِي حكاه عنه وهب.

وكذا قال يحيى بن معاذ قال: حسبك من الخوف ما يمنع من الذنوب، ولا


(١) برقم (٧٤٣٧).