للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَسْبَ من الحب أبدًا.

فأما الخوف والرجاء، فأكثر السلف عَلَى أنهما يستويان، لا يرجح أحدهما عَلَى الآخر، قاله مطرف والحسن والإمام أحمد وغيرهم.

ومنهم من يرجح الخوف عَلَى الرجاء، وهو محكي عن الفضيل وأبي سليمان الداراني.

ومن هذا قول حذيفة المرعشي: إن عبدًا يعمل عَلَى خوف لعبد سوء، وإن عبدًا يعمل عَلَى رجاء لعبد سوء، فكلاهما عندي سواء.

ومراده إذا عمل على إفراد أحدهما عن الآخر.

وقال وهيب بن الورد: لا تكونوا كالعامل، يقال له: تعمل كذا وكذا، فيقول: نعم إن أحسنتم لي من الأجر، ومراده: ذم من لا يلاحظ بالعمل إلا الأجر.

وهؤلاء العارفون لهم ملحظان:

أحدهما: أن الله تعالى يستحق لذاته أن يطاع ويحب، ويبتغى قربه والوسيلة إِلَيْهِ مع قطع النظر عن كونه يثيب عباده أو يعاقبهم، كما قال القائل:

هب البعثَ لم تأتنا رسله ... وجَاحِمَةُ النار لم تُضْرِمِ

أليس من الواجب المُسْتـ ... حِقِّ حياءُ العبادِ من المُنْعِمِ

وقد أشار هذا إِلَى أن نعمه عَلَى عباده تستوجب منهم شكره عليها وحياءهم منه.

وهذا هو الَّذِي أشار إِلَيْهِ النبي صلّى الله عليه وسلم لما قام حتى تورمت قدماه، فقِيلَ لَهُ: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فَقَالَ: "أفلا أكون عبدًا شكورًا" (١).


(١) أخرجه البخاري (٤٨٣٧)، ومسلم (٢٨٢٠) من حديث عائشة. وأخرجه البخاري (١١٣٠)، ومسلم (٢٨١٩) من حديث المغيرة بن شعبة.