للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّوعُ الثَّاني من الحرص عَلَى المال:

أن يزيدَ عَلَى ما سبق ذكرُه في النوعِ الأول، حتى يطلبَ المال من الوجوه المحرمة ويمنع الحقوقَ الواجبة، فهذا من الشحَّ المذموم.

قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (١).

وفي "سنن أبي داودَ" (٢) عن عبد الله بن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتَّقُوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُمْ بِالقطيعةِ فَقَطَعُوا، وأمَرهم بالبخلِ فبخلوا، وأمرَهم بالفجورِ ففجروا".

وفي "صحيح مسلم" (٣) عن جابرٍ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ".

قال طائفةٌ من العُلَمَاء: الشحُّ هو الحرصُ الشديدُ الَّذِي يحمل صاحبَه عَلَى أن يأخذَ الأشياءَ من غير حلِّها ويمنعها من حقوقها.

وحقيقتُه (شَرَّهُ) (*) النَّفس إِلَى ما حرَّمَ الله ومنع منه، وأن لا يقنعَ الإنسانُ بما أحل الله له من مالٍ أو فرجٍ أو غيرهما، فإن الله تعالى أحلَّ لنا الطيبات من المطاعم والمشارب، والملابس والمناكح وحرَّمَ علينا تناول هذه الأشياء من غير وجوه حلِّها، وأباح لنا دماءَ الكفارِ والمحاربين وأموالَهم، وحرَّم علينا ما عدا ذلك من الخبائثِ من المطاعم والمشارب، والملابس والمناكح، وحرم علينا أخذَ الأموال وسفك الدماء بغير حلها.

فمن اقتصرَ عَلَى ما أبيحَ له فهو مؤمنٌ، ومن تعدَّى ذلك إِلَى ما منعَ منه فهو الشحُّ المذمومُ، وهو مناف للإيمان.

ولهذا أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الشُّحَّ يَأْمرُ بالقطِيعةِ والفجورِ وبالبخل.


(١) الحشر: ٩.
(٢) برقم (١٦٩٨).
(٣) برقم (٢٥٧٨).
(*) أن تسترضي: "نسخة".