للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى العبد من طلب المال، وضررُه أعظمُ، والزهدُ فيه أصعبُ، فإِنَّ المال يبذلُ في طلبِ الرياسةِ والشَّرفِ.

والحرصُ عَلَى الشَّرفِ عَلَى قسمين:

أحدهما: طلبُ الشَّرفِ بالولايةِ والسُّلطانِ والمال.

وهذا خطرٌ جدًّا، وهو الغالبِ، يمنعُ خيرَ الآخرةِ وشَرَفَها وكرامَتها وعزَّها.

قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ... } (١) الآية.

وقلَّ مَنْ يحرصُ عَلَى رياسةِ الدُّنْيَا بطلبِ الولاياتِ فوفق؛ بل يُوكلُ إِلَى نفسهِ، كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمنِ بن سمرةَ: "يا عبدَ الرحمنِ، لا تسألِ الإمارةَ، فإِنَّكَ إِن أُعْطيتَهَا عن مَسألةٍ وُكّلتَ إليها، وإنْ أُعْطيتَهَا من غير مسألةٍ أُعنتَ عليها" (٢).

قال بعضُ السَّلفِ: ما حرصَ أحدٌ عَلَى ولايةٍ فعدل فيها.

وكان يزيدُ بنُ عبد الله بن وهبٍ من قضاةِ العدلِ والصَّالحين، وكان يقولُ: من أَحَبَّ المالَ والشَّرفِ وخافَ الدوائِرَ لم يعدلْ فيها.

وفي "صحيح البخاريّ" (٣) عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "إِنكم سَتحرصونَ عَلَى الإمارة، وستكونُ ندامةً يوم القيامةِ، فنعم المرضعةُ، وبئستِ الفاطمة".

وفيه (٤) -أيضاً- عن أبي موسى الأشعريِّ "أنَّ رجلين قالا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، أَمَّرنا. قال: إِنَّا لاَ نولِي أَمرَنَا هذا من سأَلَه، ولا من حرصَ عليه".


(١) القصص: ٨٣.
(٢) أخرجه البخاري (٦٦٢٢)، ومسلم (١٦٥٢).
(٣) برقم (٧١٤٨).
(٤) أخرجه البخاري (٧١٤٩)، ومسلم (١٧٣٣).