للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(موقعه) (١) عندهم، فَلمَّا فعلَ هذه مُدةً طوِيلةً واسْتحكَمَ فيه الفسادُ وَلَّوْهُ القضاءَ فذبح بغيرِ سِكينٍ، فصارتْ لَهُم عليه ِمِنَّةٌ عَظِيمةٌ، ووجبَ عليه شُكرُهم، (فآلمَ نفسه) (٢) لئلاَّ (يُغضِبهُم) (٣) عليه فَيعزِلوهُ عن القضاءِ، ولم يلتفتْ إِلَى غَضبِ مَولاهُ، فاقْتطعَ أموالَ اليتامَى والأَراملِ، والفُقراءِ والمساكين، وأموالَ الوَقفِ الموقوفة عَلَى المجاهدينَ، وأهلِ الشَّرفِ بالحرمينِ، وأموالاً يعودُ نفعُها عَلَى جميعِ المسلمين، فأرضى بها الكاتبَ والحاجب والخادمَ، فأكلَ الحرامَ وأطعمَ الحرامَ وكَثُرَ الداعي عليهِ، فالويلُ لمن أورثَه علمُه هذهِ الأخلاقَ.

هذا (العِلْم) (٤) الَّذِي استعاذَ منه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأمر أن يُستعاذَ منه، وهذا (العِلْم) (٤) الَّذِي قالَ فيهِ -عليه الصلاة والسلام-: " «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ، عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللهُ بِعِلْمِهِ» (٥).

وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ" (٦).

وكان عليه السلام يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ» (٧).

هذا كُلُّهُ كَلامُ الإِمام أبي بَكرٍ الآجُري -رحمه الله تعالى- وكان في أَواخِرِ الثلاثِمائة، ولم يَزَلِ الفسادُ (مُتَزَايِدًا) (*) عَلَى ما ذَكرناه أضعافًا مُضَاعَفَةً، فلا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.


(١) موقفه: "نسخة".
(٢) فأْلَّمَ بنفسه: "نسخة".
(٣) يغيظهم: "نسخة".
(٤) العالم: "نسخة".
(٥) أخرجه ابن عدي في "الكامل" (٥/ ١٥٨)، وابن عبد البر في "جامع ببان العِلْم وفضله" (١٠٧٩)، والطبراني في "الصغير" (٥٠٧) من حديث أبي هريرة.
(٦) أخرجه مسلم (٢٧٢٢) من حديث زيد بن أرقم، وأخرجه أحمد (٢/ ٣٤٠، ٣٦٥، ٤٥١)، وأبو داود (١٥٤٨)، والنسائي (٨/ ٢٦٣، ٢٨٤)، وابن ماجه (٣٨٣٧) من حديث أبي هريرة.
(٧) أخرجه النسائي في "الكبرى" (٤/ ٤٤٤) من حديث جابر.
(*) بعده يتزايد: "نسخة".