للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن دَقِيقِ آفاتِ حُبِّ الشَّرفِ: طَلَبُ الولاياتِ والحرصُ عليها، وهو بابٌ غامضٌ لا يعرفُه إلا العُلَمَاءُ بالله، العَارِفُونَ بِهِ المُحِبُّونَ لَهُ، الذين يُعادون لهُ من جُهَّالِ خلقهِ المُزَاحمينَ لِرُبُوبيتِهِ وإلهيتهِ، مع حقارتهم وسُقوطِ منزلتهِم عند الله، وعندَ خَواصِّ عبادِهِ العارفين بهِ.

كما قال الحسنُ -رحمه الله- فيهم: إِنَّهُمْ وَإِن طقطَقَتْ (١) بهم البغالُ وهملجَت (٢) بهمُ البرَاذِينُ (٣) فَإِنَّ ذُلِّ المعصيةِ فِي رِقَابهم، أبى الله إلا أن يُذلَّ مَنْ عَصَاهُ.

واعلْمْ أَنَّ حُبَّ الشَّرفِ بالحرصِ عَلَى نُفوذِ الأمرِ والنهي وتَدبيرِ أَمرِ الناسِ، إذا (قصدَ) (*) بذلك مُجَرَّدَ عُلوّ المنزلة عَلَى الخلقِ والتَّعاظم عليهم، وإظهارِ صاحب هذا الشَّرفِ حاجةَ الناس إِلَيْهِ وافتقارهم إِلَيْهِ، وذُلّهم له في طلبِ حوائجِهم منه، فهذا نفسُه مُزاحمةٌ لرُبوبِية الله تعالى وإلهيتِهِ، وربما تسبب بعضُ هؤلاءِ إِلَى إيقاع الناس في أمر يحتاجُون فيه إِلَيْهِ؛ ليضطرِّهم بذلك إِلَى رفع حاجاتهم إِلَيْهِ، وظهورِ افتقارهم واحتياجهم إِلَيْهِ، ويتعاظم بذلك ويتكبَّرُ بِهِ، وهذا لا يَصلحُ إلا لله تعالى وحده لا شريكَ لى.

كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} (٤).

وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} (٥).

وفي بعض الآثارِ أنَّ الله تعالى يبتلي عبدهُ بالبلاءِ ليسمعَ تضرعهُ.


(١) الطقطقة: صوت قوائم الخيل عَلَى الأرض الصلبة. "اللسان" مادة: (طقطق).
(٢) الهملجة: حسن سير الدابة في سرعة وبخترة. "اللسان" مادة: (هملج).
(٣) البرذون من الخيل: ما كان من غير نتاج العرب. "اللسان" مادة: (برذن).
(*) كان القصد: "نسخة".
(٤) الأنعام: ٤٢.
(٥) الأعراف: ٩٤.