للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنَّ هذه الآيةَ إِنما نزلتْ فيمن هذه صفاتُهُ، وهذا الوصفُ -أَعني طلبَ المدح مِنَ الخلقِ ومحبَّتَهُ والعقوبةَ عَلَى تركهِ -لا يصلحُ إِلَّا لله وحدهُ لا شريكَ لهُ، ومن هنا كان أئمةُ الهدى ينهونَ عن حمدهِم عَلَى أعمالهم وما يصدُرُ منهم من الإحسانِ إِلَى الخلقِ، ويأمرونَ بإِضافةِ الحمدِ عَلَى ذلك إِلَى اللَّه وحدهُ لا شريكَ لهُ، فإِن النِّعم كلَّها منهُ.

وكانَ عمرُ بنُ عبدِ العزيز -رحمه الله- شديد العنايةِ بذلكَ، وكتبَ مرةً إِلَى أهلِ الموسمِ كتابًا يْقرَأُ عليهم، وفيه الأمرُ بالإحسانِ إليهم، وإزالةُ (المظالمِ التي) (*) كانت عليهم، وفي الكتاب: "ولا تحمدُوا عَلَى ذلك كُلِّهِ إلًا اللَّهِ، فَإِنّهُ لوْ وَكَلَني إِلَى نفسِي كنتُ كغيري" (١).

وحكايتُه مع المرأةِ التي طلبتْ منه أن يفرضَ لِبناتِها اليتامى مشهورةٌ، فإنها كانت لها أربعُ بناتٍ، ففرض لاثنتينِ منهنَّ، وهي تحمدُ اللَّه، ثُم فرضَ للثالثةِ فَشَكرتْهُ، فقالَ: إنَمَا كنَّا نفرضُ لهنَّ حيثُ كنتِ تولينَ الحمدَ أهلَهُ، فمري هؤلاء الثلاثَ يُواسينَ الرابعة. أو كما قال- رضي الله عنه.

وحاصل الأمر أراد أن يعرف أنَّ ذا الولايةِ إِنما هو مُنتصِبٌ لتنفيذ أمرِ اللَّه، وآمرُ العبادَ بطاعة الله تعالى، وناهٍ لهم عن محارم الله، ناصحٌ لعبادِ الله بدُعائهم إِلَى الله، فهو يقصد أن يكون الدينُ كُلُّه لله، وأن تكونَ العِزَّةُ لله وهو مع ذلك خائفٌ من التقصيرِ في حقوقِ الله أيضًا.

فالمُحِبّونَ للَّه غَايةُ مقاصدهم من الخلقِ أن يحبوا الله ويُطعوهُ، (ويفردوه) (**) بالعبوديةِ والإلهيةِ، فكيفَ من يزاحِمُهُ في شيء من ذلك، فهو لا يريدُ من الخلقِ جزاءً ولا شُكُورًا، وإِنما يَرجُو ثوابَ عمله من الله كما قال الله تعالى:


(*) مظالم: "نسخة".
(١) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٥/ ٢٩٣).
(**) من النسخة "ك" وباقي النسخ الثلاث: "ويعرفوه".