للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحينئذ فلا يبعدُ أن يقرنَ كلُّ كافرٍ بشيطانِهِ الذي أضَلَّهُ، وبصورة من عَبَدَهُ من دونِ اللَّهِ من الحجارةِ.

وقالَ ابنُ أبي الدنيا: حدثنا عبدُ اللَّه بنُ وضاح، حدثنا عبادة بنُ كليبٍ، عن محمدِ بنِ هاشمٍ، قالَ: لما نزلتْ هذه الآية {وَقُودُهَا النَّاسُ والحِجَارَةُ} [التحريم: ٦] وقرأها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فسمعَهَا شابٌّ إلى جنبِهِ فصُعِقَ، فجعلَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رأسَهُ في حجره رحمةً لَهُ، فمكثَ ما شاءَ أن يمكثَ، ثم فتحَ عينيهِ، فقالَ: بأبي أنتَ وأمِّي، مثلَ أيِّ شيء الحجرُ؟

قالَ: "أما يكفيكَ ما أصابَكَ، على أنَّ الحجرَ الواحدَ منها لو وُضِعَ عن جبالِ الدنيا كلِّها لذابتْ منهُ، وإنَّ معَ كل إنسانٍ منهُم حجرًا وشيطانًا" (١).

وقالَ الحسنُ في موعظَتِهِ: أذكركَ اللهَ ما رحمتَ نفسَكَ، فإنَّك قد حذرتَ نارًا لا تطفأ، يهوِي فيها من صارَ إليها، ويترددُ في أطباقِهَا قرينُ شيطانٍ، ولزيقُ حجرٍ يتلهبُ في وجههِ شعلُها: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر: ٣٦].

وأكثرُ المفسرينَ، على أن المرادَ بالحجارةِ في الآيتين حجارةُ الكبريتِ توقدُ بها النارُ، ويقالُ: إن فيها خمسةُ أنواع من العذابِ، ليسَ في غيرِها من الحجارةِ: سرعةُ الإيقادِ، ونتن الرائحةِ، وكثرةُ الدخانِ، وشدةُ الالتصاقِ بالأبدانِ، وقوةُ حرِّهَا إذا أحميتْ.

قالَ عبدُ الملكِ بنُ عميرِ، عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ سابطٍ، عنْ عمرِو بنِ ميمونَ، عنِ ابنِ مسعودٍ في قولِهِ تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: ٦] قالَ: هي حجارةٌ من الكبريتِ، خلقَهَا اللَّهُ يومَ خلقَ السموات والأرضَ في السماءِ الدنيا، يُعدها للكافرينَ. خرَّجه ابنُ أبي حاتمٍ والحاكمُ في المستدركِ (٢)، وقال:


(١) وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (٤/ ٨٨٧): رواه ابن أبي الدُّنْيَا عن عبد الله بن الوضاح، حدثنا عباءة بن كليب، عن محمد بن هاشم، وعباءة قَالَ أبو حاتم: صدوق في حديثه إنكار، أخرجه البخاري في "الضعفاء" يحوّل من هناك.
(٢) (٢/ ٤٩٤).