للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَعْدِي أُمَرَاءُ؛ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الحَوْضَ".

وخرج الإمامُ أحمدُ (١) معنى هذا الحديث من حديث حذيفةَ، وابن عُمرَ، وخبَّابِ بنِ الأرتِّ، وأبي سعيد الخُدريِّ، والنُّعمانِ بنِ بشير -رضي الله عنهم.

وقد كان كثير من السلفِ ينهونَ عن الدخولِ عَلَى الملوكِ لمن أراد أمرهُم بالمعروفِ ونَهيهُم عن المنكر أيضاً.

ومِمَّن نهى عن ذلك: عُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ وابنُ المباركِ والثَّوريُّ وغيرُهم من الأئمةِ.

وقال ابنُ المبُاركِ: ليسَ الأَمرُ الناهِي عندَنا من دَخلَ عليهم فأمرهُم ونهاهُم، إِنَّمَا الآمرُ الناهي من اعتزلهُم.

وسببُ هذا ما يُخشَى من فتنةِ الدخولِ عليهم؛ فإنَّ النَفسَ قد تُخيلُ للإنسانِ إذا كانَ بعيدًا عنهُم أنهُ يأمرُهم وينهاهُم ويغلّظُ عليهم، فَإِذَا شاهدهُم قريبًا مالتِ النَّفسُ إليهم؛ لأنَّ محبةَ الشَّرفِِ كامنة في النفس، (والنفسُ تحُسِّنُ له ذلك و) (*) مداهنتهم وملاطفتهم، وربما مالَ إليهم وأحبَّهُم، ولا سيما إِنَّ لاطفُوهُ وأكرموهُ وقبل ذلك منهم، وقد جرى ذلك (لابن طاوسٍ) (**) مع بعض الأُمراءِ بحضرةِ أبيهِ طَاوسٍ فوبَّخَهُ طاوسٌ عَلَى فعلهِ ذلكَ.

وكتبَ سُفيانُ الثوريُّ إِلَى عبَّادِ بن عَبَّادٍ، وكانَ في كتابهِ:

"إِيَّاكَ وَالأُمراءَ أن تدنُو منهم أو تُخالطهم في شيء من الأشياءِ، وإياكَ أن تُخدَعَ ويقالُ لك: لتشفعَ وتدرأَ عن مظلومٍ أو تردَّ مظلمةً؛ فإن ذلك خديعةُ


(١) في "المسند" (٢/ ٩٥)، (٤/ ٢٣، ٩٢)، (٤/ ٢٦٧ - ٢٦٨)، (٥/ ١١١، ٣٨٤)، (٦/ ٣٩٥).
(*) لمحبة النفس له، ولذلك: "نسخة".
(**) لعبد الله بن طاوس: "نسخة".