للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرّجه الإمام أحمد (١) وأبو داود (٢) والترمذي (٣) من حديث أبي هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم، قَالَ: "لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبريل إِلَى الجنة"، فَقَالَ: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قَالَ: فجاءها، فنظر إليها وإلى ما أعد لأهلها، قَالَ فرجع إِلَيْهِ، فَقَالَ: وعزتك، لا يسمع بها أحد إلاَّ دخلها، فأمر بها فحفت بالمكاره، فَقَالَ: ارجع إليها، فانظر إِلَى ما أعددت لأهلها، قَالَ: فرجع إليها، فَإِذَا هي قد حفت بالمكاره فرجع إِلَيْهِ، فَقَالَ: وعزتك، لقد خفت إلا يدخلها أحد، قَالَ: فاذهب إِلَى النار فانظر إِلَى ما أعددت لأهلها، قَالَ: فجاءها فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضًا، فرجع إِلَيْه فقال: وعزتك، لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفت بالشهوات، فَقَالَ: ارجع إليها فرجع إليها فَقَالَ: وعزتك، لقد خشيت ألا ينجو منها أحد إلاَّ دخلها".

فتبين بهذا، أن صحة الجسد وقوته وكثرة المال والتنعم بشهوات الدُّنْيَا والتكبر والتعاظم عَلَى الخلق، وهي صفات أهل النار التي ذكرت في حديث حارثة بن وهب، هي جماع الطغيان والبغي، كما قَالَ تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: ٦ - ٧].

والطغيان وإيثار الحياة الدُّنْيَا وشهواتها من موجبات النار، كما قَالَ تعالى: {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: ٣٨ - ٤٠].

وأما الضعيف في البدن، والاستضعاف في الدُّنْيَا من قلة المال والسلطان، مع الإيمان فهو جماع كل خير، ولهذا يقال: من العصمة أن لا تجد، فهذه صفات أهل الجنة، التي ذكرت في حديث حارثة.

وقد رُوي نحو حديث حارثة، من وجوه متعددة، وفي بعضها زيادات.

خرج الإمام أحمد (٤) من حديث أبي هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم، قَالَ:


(١) (٢/ ٣٣٢ - ٣٣٣، ٣٥٤).
(٢) برقم (٤٧٤٤).
(٣) برقم (٢٥٦٠).
(٤) (٢/ ٥٠٨).