للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأصلُه: من (لب) (١) بالمكان: إذا لزمه وأقام فيه؛ فكأنَّ الملبِّي يُجيب دعوة الله ويلزم ذلك. ويقتضي أيضاً: سُرعة الإجابة مع الدوام عليها.

وقوله: "وسعديك" يعني: إسعادًا بعد إسعاد. والمعنى: طاعة بعد طاعة.

وأصلُه: أنَّ المُنادي إذا دعا غيره، فإنَّ المجيب لدعائه يجيبُه إسعادًا له ومساعدة. ثم نُقل ذلك إِلَى مُطلق الطاعة، حتى استُعمل في إجابة دعاء الله عزَّ وجل؛ وحُكي عن العرب: سُبحانه وسعدانه، عَلَى معنى أسبحه وأطيعه؛ تسمية للإسعاد بسعدان، كما يسمى التسبيح سبحان، ولم يُسمع بسعديك مفردًا.

ولا شك أنَّ اللَّه تعالى يدعو عباده إِلَى طاعته، وإلى ما فيه رضاه، وما يوجب لهم به سعادة الآخرة، فمن أجاب دعاءه واستجاب له فقد أفلح وأنجح؛ قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (٢)، وقال تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (٣) وقال حكاية عن الجن الذين يستمعون القرآن: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (٤).

ولهذا يقولُ المُلبي في الحج: لبيك اللهم لبيك. يعني: إجابة لدُعائك وطاعة لك، حيثُ دعوتنا إِلَى حج بيتك.

وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقوله في دُعاء الاستفتاح في الصلاة -وقد قيل: إنَّه كان يقولُه في قيام الليل، وقد قيل: إنه كان يقوله في استفتاح المكتوبة-: "لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ،


(١) لبب: "نسخة".
(٢) يونس: ٢٥.
(٣) إبراهيم: ١٠.
(٤) الأحقاف: ٣١.